للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السياق، والواو عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أقعد مشركوا مكة في مساكنهم، ولم يسيروا, ولم يذهبوا في نواحي الأرض إلى جانب الشام واليمن والعراق للتجارة. {فَيَنْظُرُوا} ويعرفوا بمشاهدة آثار ديار الأمم الماضية العاتية، {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ} كانوا {مِنْ قَبْلِهِمْ}؛ أي: على أي حالة كان أخذهم، فإنهم هلكوا، لما كذبوا الرسل، وآثار هلاكهم باقية في ديارهم {وَكَانُوا}؛ أي: والحال أنّ الذين من قبلهم كعاد وثمود وسبأ كانوا {أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً}، وأطول منهم أعمارًا، وأكثر منهم أموالًا، فما نفعهم طول المدى، وما أغنى عنهم شدة القوى، وكثرة الغنى، وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة في سورة الروم، وهناك قال: {كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} استئناف إخبار عما كانوا عليه، وهنا قال: وكانوا؛ أي: وقد كانوا، فالجملة حال، فهما مقصدان ذكره أبو حيان.

وهذه الجملة مسوقة (١) لتقرير معنى ما قبلها، وتأكيده؛ أي: أقعدوا ولم يسيروا في الأرض، فينظروا ما أنزلنا بعاد وثمود ومدين وأمثالهم من العذاب لما كذبوا الرسل، فإن ذلك هو من سنة الله في المكذبين التي لا تبدل ولا تحول، وآثار عذابهم، وما أنزل الله بهم موجودةٌ في مساكنهم، ظاهرة في منازلهم، والحال وآثار أولئك قد كانوا أشد منهم قوة جسم، وأطول أعمارًا، وأكثر أموالًا، وأكبر أبدانًا.

والخلاصة: أقعد هؤلاء المشركون بالله في مساكنهم، ولم يسيروا في الأرض التي أهلكتا فيها أهلها بكفرهم بنا، وتكذيبهم رسلنا أثناء رحلاتهم التي يسلكونها إلى طريق الشام في تجاراتهم، فينظروا على أي حالة كان أخذهم، ألم نهلكهم ونخرب مساكنهم، ونجعلهم مثلًا لمن بعدهم، فيتعظوا لهم، ويزدجروا عما هم عليه من الشرك بعبادتهم الآلهة من الأوثان والأصنام.

ثم بين أنهم إذا صاروا على تمردهم وعنادهم .. فهم لا يفلتون من عقابه، فقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ} تقرير لما يفهم مما قبله عن استئصال الأمم السابقة، واللام (٢) و {من} لتأكيد النفي المستفاد من {ما} والمعنى: استحال من كل الوجوه أن يعجز الله سبحانه شيء ويسبقه ويفوته {فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا} تأكيد آخر لـ {ما} النافية، ففي الكلام ثلاث تأكيدات {في الأرض}؛ أي: ما كان ليسبقه


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.