وتعالى غلبة أنبيائه وأوليائه، سنَّته {الَّتِي قَدْ خَلَتْ} ومضت {مِنْ قَبْلُ} في الأمم الماضية؛ أي: سنَّ ذلك سنَّةَ قديمةً فيمن خلا ومضى من الأمم، وهو قوله:{لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}. {وَلَنْ تَجِدَ} يا محمد، أو أيّها المخاطب {لِسُنَّةِ اللَّهِ} وعادته {تَبْدِيلًا}؛ أي: تغيّرًا بنقل الغلبة من الأنبياء إلى غيرهم.
أي: ما تقابل الكفر والإيمان في موطن إلا نصر الله المؤمنين على الكافرين، ورفع الحق، ووضع الباطل، كما نصر يوم بدر أولياءه المؤمنين، على قلة عددهم وعددهم، وكثرة المشركين وكثرة عددهم.
٢٤ - {وَهُوَ} سبحانه {الَّذِي كَفَّ} ومنع {أَيْدِيَهُمْ}؛ أي: أيدي كفّار مكة {عَنْكُمْ} أيّها المؤمنون؛ أي: بأن حملهم على الفرار منكم، مع كثرة عددهم، وكونهم في بلادهم بصدد الذّب عن أهليهم وأولادهم {وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} بأن حملكم على الرجوع عنهم وتركهم {بِبَطْنِ مَكَّةَ}؛ أي: في داخلها؛ أي: في داخل الحرم، وهو الحديبية {مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ}؛ أي: من بعد أن جعلكم ظافرين غالبين {عَلَيْهِمْ} مع أنّ العادة المستمرّة فيمن ظفر بعدوّه أن لا يتركه، بل يستأصله.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ الله تعالى أظهر المسلمين عليهم بالحجارة، حتى أدخلوهم البيوت؛ يعني: أنّ جماعة من أهل مكة خرجوا يوم الحديبية يرمون المسلمين، فرماهم المسلمون بالحجارة، حتى أدخلوهم بيوت مكة، فلمّا كان الكفّ على الوجه المذكور في غاية البعد .. قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ} إلخ. على طريق الحصر، استشهادًا به على ما تقدم من قوله:{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ}. وقيل: هم ثمانون رجلًا، طلعوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل التنعيم عند صلاة الصبح ليأخذوه بغتة، ويقتلوا الأصحاب، فأخذهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخلَّى سبيلهم، فيكون (١) المراد ببطن مكة: وادي الحديبية؛ لأنّ بعضها من الحرم.