للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بشبهة أخرى، وهي استبعادهم أن يكون من البشر رسولٌ فقال: {وَما مَنَعَ النَّاسَ}؛ أي: وما منع مشركي مكّة، وهم من حكيت أباطيلهم من {أَنْ يُؤْمِنُوا} بك، ويصدّقوا رسالتك {إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى}؛ أي: القرآن؛ أي: ما منعهم من الإيمان بك حين مجيء الوحي المقرون بالمعجزات، التي تستدعي الإيمان بنبوتك، وبما نزل عليك من الكتاب، {إِلَّا أَنْ قالُوا}؛ أي: إلا قولهم جهلا {أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} إنكارًا منهم أن يكون الرسول من جنس البشر، واعتقادًا منهم بأن الله سبحانه لو بعث رسولًا إلى الخلق .. لوجب أن يكون من الملائكة، و {بَشَرًا} حال من رَسُولًا كما في «الكشاف» ونحو الآية قوله تعالى: {أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ ...} الآية وقوله: {ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا ...} الآية. وقال فرعون وملؤه: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ} وكذلك قالت الأمم لرسلهم: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا}

٩٥ - فأجابهم الله سبحانه عن هذه الشبهة ذاكرًا وجه الحق منبهًا إلى المصلحة بقوله: {قُلْ} لهم يا محمد من جهتنا جوابًا لقوله: {لَوْ كَانَ} ووجد {فِي الْأَرْضِ} بدل من {كَانَ} فيها من البشر {مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ} عليها بالأقدام، كما يمشي البشر حالة كونهم {مُطْمَئِنِّينَ}؛ أي: مستقرين فيها ساكنين بها كما يسكن البشر من غير أن يعرجوا إلى السماء، وعبارة «الجمل»: أي مستوطنين فيها لا يظعنون عنها إلى السماء اهـ.

{لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ}؛ أي: على الملائكة الساكنين في الأرض {مِنَ السَّماءِ مَلَكًا} حال من {رَسُولًا} ليبيّن (١) لهم ما يحتاجون إليه من أمور الدنيا والدين؛ لأن الجنس إلى الجنس يميل، ولما كان سكان الأرض بشرًا وجب أن يكون رسولهم بشرًا، ليمكن الإفادة والاستفادة، وهم جهلوا أنّ التجانس يورث التّآنس، والتخالف يوجب التنافر.

أي: لنزلنا (٢) عليهم من السماء رسلًا من الملائكة للهداية، والإرشاد،


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.