للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المخالفة، لكنه خالف بتأويل؛ لأنه اعتقد أن أحدًا لا يحلف بالله كاذبًا، أو لأنه اعتقد أن النهي قد نسخ لما حلف له إبليس، أو لأنه اعتقد أن النهي عن شجرة معينة، وأن غيرها من بقية أفراد الجنس ليس منهيًا عنه.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احتج آدم وموسى، فقال موسى: يا آدم أنت أبونا أخرجتنا من الجنة، فقال له آدم: أنت يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده، أتلومني على أمر قدَّره الله تعالى عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين عامًا، فحج آدم موسى" متفق عليه.

قال القاضي أبو بكر ابن عربي (١): لا يجوز لأحد أن يخبر اليوم بذلك عن آدم.

قلت: لا مانع من هذا بعد أن أخبرنا الله في كتابه بأنه عصاه، وكما يقال: حسنات الأبرار سيئات المقربين، ومما قلته في هذا المعنى:

عَصَى أَبُوْ الْعَالَم وَهْوَ الَّذِيْ ... مِنَ طِيْنَةٍ صَوَّرَهُ اللهُ

وَأَسْجَدَ الأَمْلاَكَ مِنْ أَجْلِهِ ... وَصَيَّرَ الْجَنَّةَ مَأْوَاهُ

أغْوَاهُ إِبْلِيْسُ فَمَنْ ذا أنا الْمِسْـ ... ـكِيْنُ إِنْ إِبْلِيْسُ أَغْوَاهُ

١٢٢ - {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ}؛ أي: اصطفاه واختاره وقربه إليه، بالحمل على التوبة والتوفيق لها، قال ابن فورك: كانت المعصية من آدم قبل النبوة، فجائز عليهم الذنوب وجهًا واحدًا {فَتَابَ} ربه {عَلَيْهِ} وعلى زوجته؛ أي: قبل توبته حين تاب هو وزوجته قائلين: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. ووجه تخصيص آدم بالذكر: لأن الكلام من أول القصة كان مع آدم وحده، كما مر هناك {وَهَدَى}؛ أي: هداه إلى الثبات على التوبة، والتمسك بأسباب العصمة، وفيه (٢) إشارة إلى أنه لو وُكل إلى نفسه وغريزته التي جبل عليها .. ما كانت التوبة من شأنه، ولا الرجوع إلى الله من برهانه، ولكن الله بفضله وكرمه اجتباه، وبجذبة العناية رقاه، وإلى حضرة الربوبية هداه، وفي الحديث "لو جُمع


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.