للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومحل جملة قوله: {وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ} ويضل من يريد الرفع (١) على أنه خبر؛ أي: والأمر أن الله سبحانه وتعالى، يهدي بالقرآن ابتداء، أو يثبت به على الهدى، أو يزيد فيه بسببه من يريد هدايته، أو تثبيته، أو زيادته. أو الجملة علة لمحذوف معطوف على {أَنْزَلْنَاهُ}؛ أي: وكذلك أنزله ليوفق به سبيل الحق من أراد هدايته، وإرشاده إلى سبل السلام. أو الجملة معطوفة على هاء {أَنْزَلْنَاهُ}، والمعنى: وأنزلنا أن الله يهدي من يريد؛ أي: أنزلنا هداية الله لمن يريد هدايته. فـ {أَن} وصلتها في محل نصب. وفي الحديث: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين"؛ أي: يرفع بالقرآن درجة أقوام، وهم من آمن به وعمل بمقتضاه، ويحط به أقوامًا آخرين، وهم من أعرض عنه، ولم يحفظ وصاياه، وكان نظر الصحابة - رضي الله عنهم - وشغلهم في الأحوال والأعمال، ولذا كانوا يتعلمون عشر آيات، لا يجاوزونها إلى غيرها، حتى يعملوا بما فيها. قال في "الإحياء": مات النبي - صلى الله عليه وسلم -، عن عشرين ألفا من الصحابة، ولم يحفظ القرآن منهم إلا ستة، اختلف منهم في اثنين، فكان أكثرهم يحفظ السورة أو السورتين، وكان الذي يحفظ البقرة والأنعام من علمائهم، فالاشتغال بالقرآن والعمل بمقتضاه من علامات الهداية، ولا بد من الاجتهاد آناء الليل وأطراف النهار، إلى أن يحصل المقصود، فإن من أراد أن يصل إلى ماء الحياة، يقطع الظلمات بلا فتور وجمود، والملال من العلم، واستماعه سبب الانقطاع عن طريق التحقيق، وأثر الحرمان من العناية والتوفيق انتهى.

تنبيه: ثم اعلم (٢) أن كون القرآن مشتملًا على متشابهات وغوامض، لا ينافي كون آياته بينات؛ لأنه ليس فيه ما لا يعلم معناه، لكن العلماء يتفاوتون في طبقات المعرفة، هدانا الله وإياكم، إلى ما هدى الله العلماء الراسخين إليه، وشرّفنا في كل غامض بالإطلاع عليه آمين.

١٧ - {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسوله، وبكل ما يجب أن يؤمن به، أو بما ذكر من


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.