للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الآيات البينات {وَالَّذِينَ هَادُوا}؛ أي: دخلوا في اليهودية، وهم المنتسبون إلى ملة موسى، عليه السلام. قال الراغب: الهود: الرجوع برفق، وصار في التعارف التوبة، قال تعالى: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ}؛ أي: تبنا إليك، قال بعضهم: اليهود في الأصل: هو من قولهم: "هدنا إليك"، وكان اسم مدح، ثم صار بعد نسخ شرعتهم لازمًا لهم، وإن لم يكن فيه معنى المدح، كما أن النصارى في الأصل من قوله: {من أنصاري إلى الله}، ثم صار لازمًا لهم بعد نسخ شريعتهم.

{وَالصَّابِئِينَ}؛ أي: الذين صبؤوا عن الأديان كلها؛ أي: خرجوا واختاروا عبادة الملائكة والكواكب. من صبأ الرجل عن دينه، إذا خرج عنه إلى دين آخر. قال الراغب: الصابؤون: قوم كانوا على دين نوح. وقيل: لكل خارج من الدين إلى دين آخر صابىء، من قولهم: صبأ، ناب البعير إذا طلع. وقيل: وهم من جنس النصارى وليس بصحيح، بل هم فرقة معروفة، لا ترجع إلى ملة من الملل المنتسبة إلى الأنبياء، والصحيح المقرر في الفروع الصابؤون: فرقة من النصارى اهـ، شيخنا. والنصارى: هم المنتسبون إلى ملة عيسى، عليه السلام.

وقدم النصارى على الصابئين في سورة البقرة (١)، وأخرهم عنهم هنا، قيل: وجه تقديم النصارى هناك أنهم أهل كتاب دون الصابئين، فلهم شرف عليهم، ووجه تقديم الصابئين هنا أن زمنهم متقدم على زمن النصارى. {وَالْمَجُوسَ} هم قوم يعبدون النار، ويقولون إن للعالم أصلين، النور، والظلمة. وقيل: هم قوم يعبدون الشمس والقمر. وقيل: قوم يستعملون النجاسات. وقيل: هم قوم من النصارى، اعتزلوهم ولبسوا المسوح. وقيل: إنهم أخذوا بعض دين اليهود وبعض دين النصارى، وليسوا (٢) من أهل الكتاب، ولذا لا تنكح نساؤهم، ولا تؤكل دبائحهم، وإنما أخذت الجزية منهم؛ لأنهم من العجم، لا لأنهم من أهل الكتاب. {وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} بالله سبحانه، وعبدوا الأوثان والأصنام وغيرها.

وجملة قوله: {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {يَفْصِلُ} ويقضي {بَيْنَهُمْ}؛ أي:


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.