للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

التعقيب. {فَرِيقٌ} وجماعة {مِنْهُمْ}؛ أي: من أولئك المشركين {بِرَبِّهِمْ} الذي كشف عنهم الضر {يُشْرِكُونَ} غيره؛ أي: فاجأ فريق منهم بالعود إلى الإشراك بربهم، الذي عافاهم وخلصهم من ذلك الضر. وتخصيص (١) هذا الفعل ببعضهم؛ لما أن بعضهم ليسوا كذلك، كما في قوله تعالى: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ}؛ أي: مقيم على الطريق القصد، أو متوسط في الكفر، لانزجاره في الجملة.

وهذا كلام مسوق للتعجيب من أحوالهم، وما صاروا عليه من الاعتراف بوحدانية الله تعالى عند نزول الشدايد، والرجوع إلى الشرك عند رفع ذلك عنهم؛ أي: ثم إذا كشف ربهم عنهم ذلك الضر، وفرجه عنهم، وأصابهم برخاء وخصب وسعةٍ .. إذا جماعة منهم يشركون به، فيعبدون معه الآلهة والأوثان.

والخلاصة: أنهم حين الضرر يدعون الله وحده لا شريك له، وإذا أسبغ عليهم نعمه .. إذا فريق منهم يشركون به سواه، ويعبدون معه غيره.

٣٤ - و {اللام}: في قوله: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ}؛ أي: أعطيناهم من نعمة الخلاص والعافية: هي لام كي، وقيل: لام الأمر، أمرهم أمر تهديد، كما يقول السيد لعبده متوعدًا، إذا راه قد خالف أمره، اعصني ما شئت، وقيل: هي لام العاقبة؛ أي: ليكون عاقبة أمرهم كفران ما آتيناهم بنسبته إلى الأصنام، أو إلى النجم الفلاني، والمعنى على الأمر؛ أي: فليجحدوا (٢) نعمي عليهم، وإحساني إليهم كيف شاؤوا، فإن لهم يومًا نحاسبهم فيه، يوم يؤخذون بالنواصي، ويجرون بالسلاسل والأغلال، ويقال لهم: ذوقوا ما كنتم تعملون.

ثم خاطب سبحانه هؤلاء الذين وقع منهم ما وقع، فقال: {فَتَمَتَّعُوا} بكفركم قليلًا إلى وقت آجالكم، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، والأمر فيه: للتهديد أيضًا؛ أي: فتمتعوا بما آتيناكم من الرخاء، وسعة النعمة في الدنيا فما هي إلا أوقات قصيرة تمضي كلمح البصر، ثم هددهم أشد التهديد بقوله:


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.