إلى أهل مدين وإلى من اتصل بهم إلى ساحل البحر، وأن حال الفريقين في الكفر والمعاصي كانت واحدة، وكان ينذرهم متنقلا بينهم، وكان عذاب مدين بالصيحة والرجفة المصاحبة لها، وعذاب أصحاب الأيكة بالسموم والحر الشديد، وقد انتهى ذلك بظلة من السحاب، فزعوا إليها يتبردون بظلها، فأطلقت عليهم فاختنقوا بها أجمعون.
٩٢ - {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا}؛ أي: استؤصلوا بالمرة، وصاروا كأنّهم لم يقيموا في قريتهم أصلا؛ أي: عوقبوا بقولهم: {لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا}. وصاروا هم المخرجين من القرية إخراجا لا دخول بعده أبدا {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ} دينا ودنيا دون الذين اتبعوه؛ فإنّهم الرابحون في الدارين.
وعبارة «المراغي» هنا: قوله: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} الآية. جاءت هذه الجملة بيانا من الله لما انتهى إليه أمرهم، وكيف كان عاقبة عملهم، فكأنّ سائلا سأل عما آل إليه تهديدهم لشعيب وقومه بقولهم:{لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا} وقولهم لقومهم: {لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخاسِرُونَ} فأجاب عن الأول جوابا مناقضا له بقوله: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا ...} إلخ؛ أي: الذين كذبوا شعيبا وأنذروه بالإخراج من قريتهم قد هلكوا وهلكت قريتهم، فحرموها كأن لم يقيموا فيها، ولم يعيشوا فيها بحال، وأجاب عن الثاني: بقوله: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ}؛ أي: الذين كذبوا وزعموا أنّ من يتبعه يكون خاسرا، كانوا هم الخاسرين لما كانوا موعودين به من سعادة الدنيا والآخرة، دون الذين اتبعوه؛ فإنّهم كانوا هم الفائزين المفلحين.
وفي الآية (١) إيماء إلى أنّ الحريص على التمتع بالوطن والاستبداد فيه على أهل الحق، تكون عاقبته الحرمان الأبدي منه، كما أنّ الحريص على الربح، بأكل أموال الناس بالباطل، ينتهي بالحرمان منه ومن غيره.