للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مصالحهم الدنيوية عليهم، وخلى بينهم وبين مصالحهم الدينية.

وقرأ (١) حمزة والكسائي: {وَلَكِنَّ النَّاسَ} بتخفيف النون وكسرها، لالتقاء الساكنين ورفع الناس. وقرأ الباقون: بتشديدها ونصب الناس.

٤٥ - {و} اذكر، يا محمَّد، لهؤلاء المشركين المنكرين للبعث قصة {يوم نحشرهم}؛ أي: يوم نحشر المشركين وسائر الخلائق، ونجمعهم لموقف الحساب. وأصل الحشر، إخراج الجماعة وإزعاجهم من مكانهم. وقرأ الأعمش وحفص: {يحشرهم} بالياء مسندًا إلى ضمير الغيبة العائد على الله. إذ تقدم أن الله لا يظلم الناس شيئًا حالة كونهم {كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا} ولم يمكثوا في الدنيا {إلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ}؛ أي: كأنهم لم يلبثوا في الدنيا، إلا قدر ساعة من النهار، لهول ما يرون من الشدائد، حالة كونهم {يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ}؛ أي: يعرف (٢) بعضهم بعضًا إذا خرجوا من قبورهم، كما كانوا يتعارفون في الدنيا، ثم تنقطع المعرفة بينهم إذا عاينوا أهوال يوم القيامة، يعني: يعرف بعضهم بعضًا في بعض المواطن، ويوبخ بعضهم بعضًا، فيقول، كل فريق للآخر: أنت أضللتني يوم كذا، وكذا، وأغويتني وزينت لي الفعل الفلاني، لا تعارف شفقة ورأفة، كما قال تعالى: {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (١٠)} وقوله: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} ولا يعرف بعضهم بعضًا في بعض المواطن. {قَدْ خَسِرَ} وغبن {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ} تعالى بالبعث {وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} إلى طريق النجاة؛ أي: قد هلكوا بتكذيبهم بالبعث بعد الموت، وضلوا عن طريق النجاة، وما كانوا عارفين لطريقه. وهذه شهادة من الله تعالى على خسرانهم وتعجيب منه.

وخلاصة ذلك: أن هذه الدنيا التي غرتهم بمتاعها الحقير الزائل، قصيرة الأمد، ستزول بموتهم، وسيقدرون يوم القيامة قصرها بساعة من النهار، لا تسع لأكثر من التعارف. وإن هؤلاء آثروا الحياة القصيرة المُنَغَّصَة بالأقدار، السريعة الزوال على الحياة الأبدية، بما فيها من النعيم المقيم، فلم يستعدوا لها ويعملوا


(١) الشوكاني.
(٢) الخازن.