للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تقديره: إذا دعوتهم إلى الإيمان بالله، وبما جئتهم به من البعث والنشور والحساب، وبالاستدلال عليها بالنظر في هذه المخلوقات المذكورة، ولم يقبلوا، وأردت بيان ما هو اللازم لك .. فأقول لك: ذكرهم يا محمد؛ أي: اقتصر على التذكير، ولا تلح عليهم، ولا يهمنك أنهم لا ينظرون ولا يتذكرون {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} تعليل للأمر بالتذكير؛ أي: ما أنت إلا مبلغ، وإنما التوفيق والهداية إلينا

٢٢ - {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) أي: لست بمسلط عليهم تجبرهم على ما تريد، كقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}، وهذا منسوخ بآية السيف، كما مر.

وقرأ الجمهور (١): {بِمُصَيْطِرٍ} بالصاد وكسر الطاء. وابن عامر في رواية ونطيق عن قنبل وزرعان عن حفص وهشام: بالسين، وقرأ خلف وحمزة في رواية: بشمام الصاد زايًا، وقرأ هارون الأعور: بفتح الطاء اسم مفعول، وهي لغة تميم، وسيطر: متعد عندهم، ويدل عليه فعل المطاوعة، وهو تسطر، وليس في الكلام على هذا الوزن، إلا مسيطر ومهيمن ومبيطر، وهي أسماء فاعلين من سيطر وهيمن وبيطر، وجاء مجيمر اسم واد، ومديبر، ويمكن أن يكون أصلهما: مدبرًا ومجمرًا، فصغرا.

والمعنى (٢): فذكر بآياتي، وعظهم بحججي، وبلغهم رسالاتي، وحذرهم أن يتركوا ذلك، ثم بعدئذٍ لا تذهب نفسك عليهم حسراتٍ إن لم يؤمنوا.

ثم علل الأمر بالتذكير، فقال: {إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ}؛ أي: إنما بعثت للتذكير فحسب، وليس من الواجب عليك أن يؤمنوا، فما عليك إلا التبشير والتحذير، فإن آمنوا فقد اهتدوا إلى ما تسوق إليه الفطرة، وإن أعرضوا .. فقد تحكمت فيهم الغفلات، وتغلبت عليهم الشهوات، واستولت على عقولهم الأهواء والجهالات.

ثم أكد الإنذار وقرره بقوله: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) أي: لست بمسلط عليهم تجبرهم على ما تريد، وتتعهد أحوالهم، وتكتب أعمالهم، فلم تؤت قوة الإكراه على الإيمان, والإلجاء إلى ما تدعوهم إليه، كما قال: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}، وقال: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}.


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.