وقرأ الجمهور:{الْمُعَذِّرُونَ} بفتح العين وتشديد الذال، وسيأتي لك بيان أصله في مبحث التصريف إن شاء الله تعالى، وقرأ ابن عباس وزيد بن علي والضحاك والأعرج وأبو صالح وعيسى بن هلال ويعقوب والكسائي في رواية عنه:{الْمُعذِرُونَ} من أعذر الرباعي، وقرأ مسلمة:{الْمُعَذِّرُونَ} بفتح العين، وتشديد الذال، من تعذر، بمعنى اعتذر، قال أبو حاتم: أراد المتعذرين والتاء لا تدغم في العين لبعد المخارج، وهي غلط منه أو عليه، وقرأ الجمهور:{كَذَبُوا} بالتخفيف؛ أي: في إيمانهم فأظهروا ضدَّ ما أخفوه، وقرأ أُبَيٌّ والحسن، في المشهور عنه، ونوحٌ وإسماعيل:{كذَّبوا} بالتشديد؛ أي: لم يصدقوه تعالى ولا رسوله، وردوا عليه أمره، والتشديد أبلغ في الذم.
٩١ - ولمَّا ذكر الله سبحانه وتعالى المنافقين الذين تخلفوا عن الجهاد، واعتذروا بأعذار باطلة .. عقبه بذكر أصحاب الأعذار الحقيقة الصحيحة وعذرهم، وأخبر: أن فرض الجهاد عنهم ساقط، فقال:{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} جمع ضعيف والضعيف: هو الصحيح في بدنه، العاجز عن الغزو، وتحمل مشاق السفر والجهاد، مثل الشيوخ والصبيان والنساء، ومن خلق في أصل الخلقة ضعيفًا نحيفًا، ويدل على أنَّ هؤلاء الأصناف هم الضعفاء: أنَّ الله سبحانه وتعالى عطف عليهم المرض فقال سبحانه {وَلَا عَلَى الْمَرْضَى} والمعطوف مغاير للمعطوف عليه، فأما المرضى .. فيدخل فيهم أهل العمى والعرج والزمانة، وكل من كان موصوفًا بمرض يمنعه من التمكن من الجهاد والسفر للغزو {وَلَا عَلَى} الفقراء العاجزين عن أهبة الغزو والجهاد {الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ} فيه من الزاد والراحلة والسلاح وسائر مؤونة السفر؛ لأن العاجز عن نفقة الغزو معذور {حَرَجٌ}؛ أي: ليس على هؤلاء الأصناف الثلاثة حرج؛ أي: إثم في التخلف عن الغزو، وقال الإِمام الفخر الرازي: ليس في الآية أنه يحرم عليهم الخروج؛ لأن الواحد من هؤلاء لو خرج ليعين المجاهدين بمقدار القدرة، إما بحفظ متاعهم، أو بتكثير سوادهم، بشرط أن لا يجعل نفسه كلًّا ووبالًا عليهم، فإن ذلك طاعة مقبولة، ثم إنه تعالى شرط على الضعفاء في جواز التخلف عن الغزو شرطًا معينًا، وهو قوله سبحانه وتعالى:{إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ} بالإيمان به، والعمل بشريعته، وترك ما