للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد أنبأني الله من أخباركم، وسيغنيني الله عنكم" واختلفت الروايات فيهم، بين قائل بصدقهم في الاعتذار، وقائل بكذبهم فيه، وظاهر كلام ابن عباس أنهم صادقون في اعتذارهم، وعليه يكون المراد بالذين كذبوا الله ورسوله جماعة غيرهم من المنافقين.

أي: وجاء إليك يا محمَّد المعذرون؛ أي: الذين أتوا بأعذار كاذبة، وتكلفوا عذرًا بباطل من الأعراب؛ أي: من سكان البوادي من بني غفار أو من أسد وغطفان على الخلاف فيه {لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} في التخلف عن غزوة تبوك، فلم يعذرهم الله تعالى {وَقَعَدَ} عن الجهاد بغير إذن {الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} في ادعائهم الإيمان وهم منافقوا الأعراب الذين لم يجيئوا إلى الرسول ولم يعتذورا.

وقال أبو عمرو بن العلاء (١): إن قومًا تكلفوا عذرًا بباطل، فهم الذين عناهم الله تعالى بقوله: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ} وتخلف آخرون لا لعذر، ولا لشبهة عذر جرأة على الله تعالى، فهم المراد بقوله تعالى: {وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وهم منافقوا الأعراب، الذين ما جاؤوا وما اعتذروا، وظهر بذلك أنهم كذبوا الله ورسوله، يعني: في ادعائهم الإيمان، فمنافقوا الأعراب قسمان: قسم جاء واعتذر بالأعذار الكاذبة، وقسمٌ لم يجىء ولم يعتذر.

والمعنى (٢): وجاء الذين يطلبون من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأذن لهم في التخلف عن الخروج إلى تبوك، امتثالًا للنفير العام من أولي التعذير، وقعد عن القتال وعن المجيء للاعتذار الذين أظهروا الإيمان بهما، كذبًا وإيهامًا على غير اعتقاد صادق، قال أبو عمرو: كان كلا الفريقين مسيئًا، فأوعد المكذبين وبعض المعتذرين بقوله: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: سيصيب الذين كذبوا الله ورسوله من المنافقين والكاذبين من المعتذرين الذين في قلوبهم مرض عذاب أليم في الدنيا بالقتل والأسر، وفي الآخرة بالنار؛ أي: سيصيب الذين استمروا على الكفر منهم، لا من أسلم منهم عذاب أليم.


(١) الخازن.
(٢) البيضاوي.