وسبعين فرقة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين، كلّها في النار إلّا واحدةً".
فحذَّرهم أن يحدثوا من تلقاء أنفسهم في الدين خلاف كتاب الله، أو سنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو سنّة خلفائه، فيضلُّوا به الناس، وقد وقع ما حذره، وشاع، وكثر، وذاع، فإنا لله وإنّا إليه راجعون.
فعلى العاقل أن يجتهد في الوصول إلى الحق، ويتخلَّص من الموهوم الباطل، ولا يغترَّ بظواهر الحالات غافلًا عن بطون الاعتبارات، فإنَّ طريق الحق أدقُّ من كُلِّ دقيقٍ، وماءٍ عَمِيقٍ، وفجٍّ سحيقٍ، وأجهلُ (١) الناس من يترك يقين ما عنده من صفات نفسه التي لا شكّ فيها، لظنِّ ما عند الناس من صلاحية حاله.
قال الحارث المحاسبيُّ رحمه الله تعالى: الراضي بالمدح الباطل كمن يهزأ به، ويقال له: إنّ العذرة التي تخرج من جوفك لها رائحةٌ كرائحة المسك، وهو يفرح ويرضى بالسُّخرية به، فالعاقل لا يغترُّ بمثله، بل يجتهد إلى أن يصل إلى رضا ربّه، ويفتح له باب قربه بأن يكون سمعه، وبصره، ولسانه، ورجله، ويده التي يبطش بها، فويلٌ لواعظٍ تكبر وافتخر بتقبيل الناس يده، ورأى نفسه خيرًا من السامعين، ويتقيَّد بالمدح والذمّ، اللهم إلّا أن يخرج ذلك من قلبه، والمعيار مساواة المقبِّل، واللَّاطم عنده، بل رجحان اللاطم والضارب عنده. قال الجُنيد البغداديُّ في مجلس وعظه: لو لم أسمع قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يؤيِّد هذا الدين بالرجل الفاجر لما اجترأت على الوعظ، فأنا ذلك الرجل الفاجر. اهـ. ولمَّا أوعدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنار عند تكذيبهم إيّاه
٨٠ - {قَالُوا}؛ أي: قالت اليهود زعمًا منهم {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ}؛ أي: لن تصيبنا النار، ولن تصل إلينا في الآخرة {إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً}؛ أي: أيامًا قلائل محصورةً يسهل عدُّها قدر سبعة أيّام، فإنّهم يقولون: إنّ أيّام الدنيا سبعة آلاف سنة، فنعذَّب مكان كُل ألف سنةٍ يومًا واحدًا، أو قدر أربعين يومًا مقدار عبادة آبائهم العجل، ثم يزول عنّا العذاب.