مؤمن عورة عبد مؤمن إلا ستره الله يوم القيامة، ومن أقال عثرة مسلم، أقال الله عثرته يوم القيامة". و {اللَّهُ} سبحانه وتعالى {يَعْلَمُ} جميع الأمور وخصوصًا ما في ضمائر من أحب الإشاعة، فردوا الأمور إلى ربكم ترشدوا {وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون} فلا ترووا ما لا علم لكم به، وابنوا الأمر في الحد وغيره على الظواهر، والله يتولى السرائر.
٢٠ - ثم كرر فضله ورحمته على عباده، للمنة عليهم بترك المعاجلة بالعقاب. فقال:{وَلَوْلَا} هنا امتناعية، حذف جوابها لدلالة ما قبلها عليه؛ أي: ولولا {فَضْلُ اللَّهِ}؛ أي: تفضله {عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ}؛ أي: إنعامه لكم. وجملة {وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} معطوفة على فضل الله؛ أي: ولولا فضله عليكم ورحمته لكم، وأنه بليغ الرأفة والرحمة بكم، لعاجلكم بالعقاب على ما صدر منكم، ومن رأفته بعباده أن لا يعاجلهم بذنوبهم. ومن رحمته لهم أن يقدم إليهم بمثل هذا الإعذار والإنذار.
وفي الآيتين إشارات:
منها: أن أهل الإفك كما يعاقبون على الإظهار، يعاقبون بإسرار محبة الإشاعة، فدل على وجوب سلامة القلب للمؤمنين، كوجوب كف الجوارح والقول عما يضرهم. وفي الحديث: "أيما رجل أشاع على رجل مسلم كلمة، وهو منها برىء، يرى أن يشينه بها في الدنيا، كان حقًا على الله أن يرميه بها في النار". فالصنيع الذي ذكر من أهل الإفك ليس صنيع أهل الإيمان، فإن من صنيع أهل الإيمان ما قاله عليه السلام: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا". وقال: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كنفس واحدة، إذا اشتكى منها عضو، تداعى سائر الجسد بالحمى والسهر". فمن أركان الدين: مظاهرة المسلمين، وإعانة أهل الدين وإرادة الخير بكافة المؤمنين. والذي يود الفتنة وافتضاح الناس فهو شر الخلق كالخناس.
ومنها: أن ترك المعاجلة بالعذاب تعريض للتوبة. فدل على أن عذاب الآخرة، إنما هو من تقدير الإصرار.