للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

امتلائهم بهما؛ يعني لا يمكنهم أن ينطقوا ويصرّحوا بما عندهم من الحزن والخوف من شدة الكربة وغلبة الغمّ عليهم، فقوله: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ}: تقرير للخوف الشديد، وقوله: {كَاظِمِينَ}: تقرير للعجز عن الكلام، فإن الملهوف إذا قدر على الكلام، وبث الشكوى .. حصل له نوع خفة وسكون، وإذا لم يقدر عظم اضطرابه واشتدّ حاله.

والخلاصة: أن ذلك اليوم يعظم فيه الخوف، حتى يخيل أن القلوب قد شخصت من الصدور، وتعلقت بالحلوق، فيرومون ردّها إلى مواضعها من صدورهم، فلا هي ترجع، ولا هي تخرج من أبدانهم، فيموتوا.

ثم بين أنه لا ينفع الكافرين في ذلك اليوم أحد، فقال: {مَا لِلظَّالِمِينَ}؛ أي: ما للكافرين في ذلك اليوم {مِنْ حَمِيمٍ}؛ أي: قريب مشفق {وَلَا} من {شَفِيعٍ يُطَاعُ}؛ أي (١): ولا من شفيع مشفع على معنى نفي الشفاعة والطاعة معًا، وعلى أن يطاع مجاز عن يجاب وتقبل شفاعته؛ لأن المطيع في الحقيقة يكون أسفل حالًا من المطاع، وليس في الوجود من هو أعلى حالًا من الله تعالى، حتى يكون مطاعًا له تعالى، وفي الآية بيان أن لا شفاعة في حق الكفار؛ لأنها وردت في ذمهم، وإنما قال: {لِلظَّالِمِينَ} موضع للكافرين، وإن كان أعم منهم ومن غيرهم من العصاة بحسب الظاهر، تسجيلًا لهم بالظلم، ودلالة على اختصاص انتفاء كل واحد من الحميم والشفيع المشفع بهم، فثبت أن لعصاة المسلمين حميمًا وشفيعًا، وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - وسائر الأنبياء والمرسلين والأولياء المقربين والملائكة أجمعين.

والمعنى (٢): أي ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله قريب ينفعهم، ولا شفيع تقبل شفاعته لهم، بل تقطّعت بهم الأسباب من كل خير.

١٩ - ثم وصف سبحانه شمول علمه بكل شيء وإن كان في غاية الخفاء، فقال: {يَعْلَمُ} سبحانه {خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ}؛ أي: النظرة الخائنة للأعين، وإسناد الخيانة إلى النظرة مجاز؛ لأن الخائن هو الناظر، أو المعنى: يعلم سبحانه خائنة الأعين؛ أي: خيانة الأعين واستراقها النظر على أنها مصدر كالعافية، كقوله تعالى: {وَلَا تَزَالُ


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.