للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عطف خاصٍ على عام، وليس معطوفًا على البيان، لإيهام أن المعطوف ليس من المؤمنين؛ أي: ويلمزون الفقراء الذين لا يجدون إلا طاقتهم، ويعيبونهم ويطعنونهم في صدقاتهم القليلة؛ أي: يعيبون الفقراء الذين تصدقوا بقليل هو مبلغ جهدهم وآخر طاقتهم. وقوله: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُم} معطوف على الصلة؛ أعني يلمزون، فالصلة أمران: اللمز، والسخرية.

والمعنى: أن المنافقين كانوا يعيبون فقراء المؤمنين الذين كانوا يتصدقون بما فضل عن كفايتهم، فيسخرون منهم؛ أي: يستهزئون بهم؛ لحقارة ما يخرجونه في الصدقة، وعدِّه من الحماقة والجنون، مع كون ذلك جهد المقل وغاية ما يقدر عليه ويتمكن منه، وخص هؤلاء بالذكر، وإن كانوا داخلين في المتطوعين؛ لأنَّ مجال لمزهم عند المنافقين أوسع، والسخرية منهم أشد، وهم أهل الإجلال والإكبار، والأحق بالثناء عند المؤمنين.

وقرأ ابن هرمز وجماعة شذوذًا (١): {جُهْدَهُمْ} بالفتح. والجُهد بالضم: الطاقة، وبالفتح: المشقة، وقيل: هما لغتان، ومعناهما واحد، وقال الشعبي: بالضم: القوت. وبالفتح: في العمل، وقيل: بالضم، شيءٌ قليل يعاش به. وقوله: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} خبر المبتدأ السابق، في قوله الذين يلمزون؛ أي (٢): جازاهم على ما فعلوه من السخرية المؤمنين، بمثل ذلك، فسخر الله منهم بأن أهانهم وأذلهم وعذبهم في الدنيا بفضيحتهم وقتلهم، وهو خبر ليس بدعاء عليهم، والتعبير بذلك من باب المشاكلة.

والمعنى: أي فجازاهم الله بمثل ذنبهم، فجعلهم سخريةً للمؤمنين وللناس أجمعين، بفضيحتهم في هذه السورة، ببيان مخازيهم وعيوبهم، وقيل: هو دعاء عليهم بأن يسخر الله بهم كما سخروا بالمؤمنين. {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: وجيع في الآخرة.

٨٠ - ثم بيَّن سبحانه عقابهم وسواهم بالكافرين، فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ} يا


(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.