بهم، وهي بين القدس والكرك، وكان منتنًا يتأذى الناس برائحته من مسافة بعيدة، ولا مانع من حمل الآية على جميع ما ذكر.
{لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}؛ أي: يستعملون عقولهم في الاعتبار، وهو متعلق إما بتركنا أو بينة، وفيه إشارة إلى شرف العقل، فإنه هو الذي يعتبر ويردع الإنسان عن الذنب، والوقوع في الخطر، وخص من يعقل؛ لأنه الذي يفهم أن تلك الآثار عبرة يعتبر بها من يراها.
قيل: كل شيء إذا كثر رخص غير العقل، فإنه إذا كثر غلا، قال أعرابي: لو صُوِّر العقل لأظلمت معه الشمس، ولو صُوِّر الحمق لأضاء معه الليل؛ أي: لكان الليل مضيئًا بالنسبة إليه، مع أنه لا ضوء فيه من حيث إنه ليل.
والخلاصة: أي وعزتي وجلالي، لقد أبقينا بما فعلنا بهم عبرةً بينة، وعظة زاجرة، لقوم يستعملون عقولهم في الاستبصار، وجعلناها مثلًا للآخرين. ونحو الآية قوله: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
قصة شعيب عليه السلام
٣٦ - وقوله:{وَإِلَى مَدْيَنَ} متعلق بمحذوف، تقديره: ولقد أرسلنا إلى أهل مدين {أَخَاهُمْ} من النسب {شُعَيْبًا} عطف بيان، أو بدل من أخاهم؛ لأنه من نسبهم؛ أي: ولقد أرسلنا إلى مدين نبيهم شعيبًا. {فَقَالَ} شعيب بطريق الدعوة {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ} سبحانه وحده؛ أي: أفردوه بالعبادة، وخصوه بها، وأخلصوها له {وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ}؛ أي: وارجوا بعبادتكم إياه اليوم جزاء اليوم الآخر وثوابه، وقيل: المعنى خافوا اليوم الآخر، وافعلوا اليوم من الأعمال ما يدفع عذابه عنكم.
قال يونس النحوي: معناه: اخشوا الآخرة، التي فيها الجزاء على الأعمال، اهـ. والمراد به يوم القيامة؛ لأنه آخر الأيام، والمعنى؛ أي: توقعوه وما سيقع فيه من فنون الأحوال، وافعلوا اليوم من الأعمال ما تنتفعون به في