للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: هؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال في بساتين يكرمون فيها بأنواع اللذات والمسرات، وإلى ذلك أشار الحديث: "فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطرَ على قلب بشر".

٣٦ - {فَمَالِ الَّذِينَ}؛ أي: فما بال الذين {كَفَرُوا} وحرموا من الاتصاف بالصفات الجليلة المذكورة. و {ما} استفهامية للإنكار في موضع رفع بالابتداء، ولـ {الَّذِينَ} خبرها، واللام الجارة كتبت مفصولة اتباعًا لمصحف عثمان رضي الله عنه. {قِبَلَكَ} حال من المنوي في {الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ أي: فما لهم ثابتين حولك {مُهْطِعِينَ} حال من المستكن في {قِبَلَكَ}. من الإهطاع، وهو الإسراع؛ أي: مسرعين نحوك؛ أي: أيّ شيء ثبت لكفّار مكة مسرعين جهتك، مادي أعناقهم إليك، مقبلين بأبصارهم عليك.

٣٧ - وقوله: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ} متعلق بـ {عِزِينَ}، لأنّه بمعنى مفترقين أو بـ {مُهْطِعِينَ}، و {عِزِينَ} حال بعد حال من المنوي في {الَّذِينَ} أي: فرقًا شتَّى، جمع عزة، وهي الفرقة من الناس. وأصلها (١): عزو من العزو بمعنى الانتماء، والانتساب، فعوضوا عن اللام الهاء كأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى إما في الولادة، أو في المظاهرة، فهم مفترقون. كان المشركون يتحلقون حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلقًا حلقًا وفرقًا فرقًا، ويستهزئون بكلامه ويقولون: إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنها قبلهم. فنزلت هذه الآية وما بعدها، كما مرّ في الأسباب.

والمعنى (٢): فما بال كفار مكة؟ يسرعون إليك ويجلسون حواليك عن يمينك، وعن شمالك جماعات متفرقة، نافرين منك لا يلتفتون إلى ما تلقيه عليهم من رحمة الله وهديه ونصحه وإرشاده وما فيه سعادتهم في معاشهم ومعادهم. ونحو الآية قوله: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١)}.

أخرج مسلم وغيره عن جابر قال: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد ونحن حلق، متفرقون، فقال: "ما لي أراكم عزين؟ ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ " قالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: "يتمون الصفوف الأول


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.