عما يقربهم إلى الله زلفى، فباؤوا بالخسران والهوان والنكال.
والثالث منها: ما ذكره بقوله: {وَمَأْوَاهُمْ}؛ أي: مقرهم في الآخرة بعد المناقشة والحساب {جَهَنَّمُ}؛ أي: نار جهنم. فإن قلت: هلا قيل: ومأواهم النار؟ قلت: لأن في ذكر جهنم تهويلًا وتفظيعًا، ويحتمل أن يكون جهنم هي أبعد النار قعرًا، من قولهم: بئر جهنم بعيدة القعر. قال بعضهم: جهنم: لفظ معرب، وكأنه في الفرس: جَهْ نم. {وَبِئْسَ الْمِهَادُ}؛ أي: وبئس المسكن مسكنهم في الآخرة، والمخصوص بالذم هي؛ أي: جهنم وقيل المهاد: الفراش، يعني: وبئس الفراش يفرش لهم في جنهم، إذ أنهم غفلوا عما يقربهم إلى ربهم، وينيلهم كرامته ورضوانه، واتبعوا أهواءهم وانغمسوا في لذاتهم، فحقت عليهم كلمته {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}. ونزل في حمزة - رضي الله عنه - وأبي جهل كما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -
١٩ - قوله تعالى:{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى}. وقيل: نزلت في عمار بن ياسر رضي الله عنه وأبي جهل بن هشام، فالأول هو حمزة أو عمار رضي الله عنهما، والثاني أبو جهل، وحمل الآية على العموم أولى، وإن كان السبب مخصوصًا كما في "الخازن". والهمزة فيه للاستفهام الإنكاري الاستبعادي داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف كما هو مذهب الزمخشري، والتقدير: أيستوي المؤمن والكافر، فمن يعلم ويصدق أن القرآن الذي أنزل إليك من ربك هو الحق كحمزة بن عبد المطلب أو عمار رضي الله عنهما كمن هو أعمى قلبه، فينكر القرآن كأبي جهل؛ أي: لا يستوي من يعلم أن الذي أنزله الله عليك من عنده هو الحق الذي لا شك فيه ولا امتراء، ومن لا يعلم ذلك فهو أعمى لا يهتدي إلى خير يفهمه، ولو فهمه ما انقاد إليه ولا صدقه، فيبقى حائرًا في ظلمات الجهل وغياهب الضلالة. قال قتادة: هؤلاء قوم انتفعوا بما سمعوا من كتاب الله وعقلوه ووعوه، وهؤلاء قوم كمن هو أعمى عن الحق، فلا يبصره ولا يعقله. اهـ.
والمعنى: لا يستوي من يبصر الحق ويتبعه ومن لا يبصر الحق ولا يتبعه، وإنما شبه الكافر والجاهل بالأعمى؛ لأن الأعمى لا يهتدي لرشد وربما وقع في