نقودها وأمتعتها وضياعها؛ أي: لو ثبت كون جميع ما في الأرض لهم من أصناف الأموال التي يتملكها العباد، ويجمعونها بحيث لا يخرج عن ملكهم منها شيء {و} أن {مثله}؛ أي: مثل ما في الأرض جميعًا لهم حالة كونه كائنًا {مَعَهُ}؛ أي: كائنًا مع ما في الأرض ومنضمًا إليه {لَافْتَدَوْا بِهِ}؛ أي: بمجموع ما ذكر، وهو ما في الأرض ومثله؛ أي: لجعلوا ما في الأرض ومثله فداء أنفسهم من العذاب الأليم؛ لأن محبوب كل إنسان ذاته، فإذا كانت نفسه في ضور وكان مالكًا لكل شيء فإنه يرضى أن يجعل جميع ملكه فداء لها؛ لأنه حب ما سواها ليكون وسيلة إلى مصالحها.
والحال: أن للذين لم يستجيبوا لربهم أنواعًا من العذاب:
الأول منها: أنهم من شدة ما يرون من هول العذاب لو استطاعوا أن يجعلوا ما في الأرض جميعًا ومثله معه فديةً لأنفسهم .. لفعلوا, ولو فادوا به .. لم يقبل منهم، فإن المحبوب أولًا لكل إنسان هو ذاته، وما سواها فيحبه لكونه وسيلةً إلى مصالحها، فإذا كان مالكًا لهذا العالم كله ولما يساويه جعله فداء لنفسه؛ وفي هذا من التهويل الشديد ومن سوء ما يلقاهم في ذلك اليوم ما لا يخفى على من اعتبر وتذكر.
والثاني منها: ما ذكره بقوله: {أُولَئِكَ} المعاندون الذين لم يستجيبوا لربهم {لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ}؛ أي: قبيح الحساب وشديد المناقشة؛ فيناقشون على الجليل والفقير والحقير، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف؛ أي: الحساب السيء، وهو أن يحاسب الرجل على كل ما عمل من الذنوب، ولا يغفر له شيء منه، والمناقشة في الحساب أن يستقصي فيه بحيث لا يترك منه شيء، يقال: ناقشه الحساب إذا عاسره فيه واستقصى فلم يترك قلبي، ولا كثيرًا. وفي الحديث:"من نوقش الحساب عذب". وقال النواوي: هذا لمن لم يحاسب نفسه في الدنيا، فيناقض بالصغيرة والكبيرة، فأما من تاب وحاسب نفسه .. فلا يناقش كما في "الفتح القريب" ذلك أن كفرهم أحبط أعمالهم، وارتكابهم للشرور والآثام ران على قلوبهم وجعلها تستمرىء الغواية والضلالة، وحبهم للدنيا جعلهم يعرضون