١٦ - {أُولئِكَ} المنافقون المتصفون بما ذكر من الصفات الشنيعة، المميّزة لهم عمن عداهم أكمل تميز، بحيث صاروا كأنّهم حضار مشاهدون على ما هم عليه من قوله:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ} إلى هنا. والإشارة إليهم باسم إشارة البعيد؛ للإيذان ببعد منزلتهم في الشرّ، وسوء الحال. ومحلّه الرفع على الابتداء، وخبره قوله:{الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى} وأصل الاشتراء: بذل الثمن لتحصيل ما يطلب من الأشياء، ثمّ استعير للإعراض عمّا في يده محصّلا به غيره، ثمّ اتسع فيه، فاستعمل في الرغبة عن الشيء طمعا في غيره، وهو ههنا عبارة عن معاملتهم السابقة المحكيّة.
وقرأ يحيى بن يعمر {اشتروا الضلالة} بكسر الواو على أصل التقاء الساكنين. وقرأ أبو السماك قعنب العدوي بفتحها؛ لخفة الفتحة، وأجاز الكسائي همز الواو. وقرأ الجمهور بضمّ الواو، وأمال حمزة والكسائي وخلف العاشر {الهدى}، وهي لغة تميم، وقلله ورش والباقون بالفتح، وهي لغة قريش.
أي: أولئك المنافقون هم الذين اشتروا الضلالة، وأخذوها، واختاروها، وهي الكفر والعدول عن الحقّ، والصواب بدل الهدى، وهو الإيمان والسلوك في الطريق المستقيم، والاستقامة عليه أخذا متّصفا بالرغبة فيها والإعراض عنه؛ أي: اختاروها عليه، واستبدلوها به، وأخذوها مكانه، وجعل الهدى كأنّه في أيديهم لتمكنهم منه، وهو الاستعداد به، فبميلهم إلى الضلالة عطلوه، وتركوه. والباء تدخل على المتروك في باب المعاوضة. وهذا دليل: على أنّ الحكم في البيع ونحوه، يثبت بالتعاطي من غير تكلم بالإيجاب والقبول على ما ذهب إليه الأحناف، فإنّ هؤلاء سمّوا مشترين، بترك الهدى وأخذ الضلال من غير تكلّم بصيغة المبادلة، كما في «التيسير». فيكون دليلا لهم على أنّ من أخذ شيئا من غيره، وترك عليه عوضه برضاه فقد اشتراه وإن لم يتكلم.
{فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ} أي: (١) ما ربحت صفقتهم في هذه المعاوضة؛ أي: