للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ما ربحوا في تجارتهم ومعاوضتهم، وهذا ترشيح للمجاز؛ أي: ما ربحوا فيها، فإنّ الربح مسند إلى أرباب التجارة في الحقيقة، فإسناده إلى التجارة نفسها على الاتساع؛ لتلبّسها بالفاعل؛ أو لمشابهتها إياه من حيث إنها سبب الربح والخسران، ودخلت الفاء؛ لتضمّن الكلام معنى الشرط، تقديره: وإذا اشتروا فما ربحوا، كما في «الكواشي». والتجارة: صناعة التجار، وهو التصدّي بالبيع والشراء لتحصيل الربح، والربح: هو الفضل على رأس المال.

{وَما كانُوا مُهْتَدِينَ} إلى طريق التجارة، فإنّ المقصد منها سلامة رأس المال مع حصول الربح، ولئن فات الربح في صفقة، فربّما يتدارك في صفقة أخرى؛ لبقاء الأصل، وأمّا اتلاف الكلّ بالمرة، فليس من باب التجارة قطعا، وهؤلاء قد أضاعوا الطلبتين؛ لأنّ رأس مالهم كان الفطرة السليمة والعقل الصرف، فلما اعتقدوا هذه الضلالات بطل استعدادهم، واختلّ عقلهم، ولم يبق لهم رأس مال يتوسّلون به إلى درك الحق، ونيل الكمال، فبقوا خاسرين آيسين من الربح، فاقدين الأصل نائين عن طريق التجارة بألف منزل.

واعلم: أنّ المهتدي: هو الذي ترك الدنيا والعادة، ثمّ اشتغل بوظائف الطاعة والعبادة، لا من اتبع كلّ ما يهواه، وخلّط هواه بهداه.

فإن قلت (١): مقتضى هذه الآية: أنّ الهدى كان موجودا ثمّ دفعوه، وأخذوا الضلالة.

قلت: الأمر كذلك؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه» الحديث؛ ولأنّهم في العهد يوم ألست بربكم أجابوا بالإيمان جميعا؛ أو لأنّهم لمّا تمكنوا من الإيمان جعلوا كأنّ الهدى بأيديهم، فتركوه، وأخذوا الضلالة. فمثلهم، كمثل من عنده كنز عظيم ينفع في الدنيا والآخرة، فاستبدله بالنار؛ لأنّ الضلالة سبب النار.

وحاصل معنى الآيات: أي (٢) وإذا رأى المنافقون المؤمنين، واجتمعوا بهم


(١) الصاوي.
(٢) المراغي.