وقرأ ابن جبير وابن يعمر وأبو زرعة بن عمرو بن جرير ويعقوب:{لا يفرق} بالياء على لفظ كل. قال هارون: وهي في مصحف أُبي وابن مسعود: {لا يفرقون} وهو شاذ، حملًا على معنى كل بعد الحمل على اللفظ.
{وَقَالُوا}؛ أي: وقال المؤمنون أيضًا: {سَمِعْنَا}؛ أي: أجبنا قولك يا إلهما فيما كلفتنا به {وَأَطَعْنَا}؛ أي: امتثلنا أمرك يا مولانا في ذلك، وقدّم {سَمِعْنَا} على {وَأَطَعْنَا}؛ لأن التكليف طريقُه السمع، والطاعة بعده، وينبغي للمؤمن أن يكون قائلًا هذا دهره وحياته. {غُفْرَانَكَ}؛ أي: نسألك غفرانك لذنوبنا يا {رَبَّنَا} وما قصرنا في حقك يا إلهنا {وَإِلَيْكَ} يا إلهنا لا إلى غيرك {الْمَصِيرُ}؛ أي: المرجع بعد الموت؛ يعني قالوا: إليك يا ربنا مرجعنا ومعادنا، فاغفر لنا ذنوبنا، وفيه إقرار بالبعث والجزاء.
٢٨٦ - {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} ظاهره أنه إخبار من الله سبحانه وتعالى مستأنف أخبر به أنه لا يكلف العباد من أفعال القلوب والجوارح إلا ما هو في وسع المكلف، والمعنى: أنكم إذا سمعتم وأطعتم ولم تتعمدوا والتقصير، فلو وقع منكم نوع تقصير على سبيل السهو والغفلة .. فلا تكونوا خائفين منه، فإن الله تعالى لا يكلف نفسًا ولا يلزمها من التكاليف والطاعات إلا وسعها وطاقتها؛ أي: إلا ما تسعه قدرتها فضلًا ورحمة منه تعالى، فلا يتعبدها بما لا تطيق.
وقيل: هذا من كلام الرسول والمؤمنين؛ أي: وقالوا: لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، والمعنى: أنهم لما قالوا: سمعنا وأطعنا .. قالوا: كيف لا نسمع ذلك ولا نطيع وهو تعالى لا يكلفنا إلا ما في وسعنا!.
وقرأ ابن أبي عبلة:{إلا وسعها} جعله فعلًا ماضيًا، وأوَّلوه على إضمار {ما} الموصولة؛ أي: إلا ما وسعها. {لَهَا مَا كَسَبَتْ} وعملت من الخير، أي: للنفس ثواب ما عملته من الخير وأجره {وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}؛ أي: وعليها وزر ما عملته من الشر وعقابه؛ أي: لا ينتفع بطاعتها، ولا يتضرر بمعاصيها غيرها. وتخصيص الكسب بالخير والاكتساب بالشرِّ؛ لأن الاكتساب فيه اعتمال واشتهاء