للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{مِنْ رَبِّهِ}؛ أي: من عند الله سبحانه وتعالى {و} صدق {المؤمنون} بذلك أيضًا، فيكون المؤمنون مرفوعًا على الفاعلية عطفًا على الرسول، فيكون الوقف عليه، ويدل على صحة هذا قراءة علي رضي الله عنه: {وآمن المؤمنون}، فأظهر الفعل. {كُلٌّ} أي: كل واحد من الرسول والمؤمنين {آمَنَ بِاللَّهِ}؛ أي: صدق بوجوده وصفاته وأسمائه وأفعاله وأحكامه {وَمَلَائِكَتِهِ}؛ أي: بوجودهم، وبأنهم معصومون مطهرون، يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون، وأنهم وسائط بين الله وبين البشر، وأن كتب الله المنزلة إنما وصلت إلى الأنبياء بواسطة الملائكة {وَكُتُبِهِ}. وقرأ حمزة والكسائي وخلف: {وكِتَابه} - بكسر الكاف وفتح التاء مع الألف - بالإفراد على إرادة الجنس وباقي السبعة: {وَكُتُبِهِ} بضم الكاف والتاء بالجمع، أي: كلٌّ صدق بأن هذه الكتب المنزلة وحي من الله تعالى إلى رسله، وأنها ليست من باب الكهانة، ولا من باب السحر، ولا من باب إلقاء الشياطين والأرواح الخبيثة، وأن الشياطين لا يتمكنون من إلقاء شيء من ضلالتهم في أثناء هذا الوحي الظاهر، وأن هذا القرآن الكريم لم يغيَّر ولم يحرَّف. {رُسُلِهِ}؛ أي: بأن لله رسلًا من البشر أمناء على وحيه معصومين من الذنوب، أرسلهم إلى عباده المكلفين بشرائع وتكاليف، من أطاعهم دخل الجنة ومن عصاهم دخل النار. وقرأ يحيى (١) بن يعمر شذوذًا: {وكتْبه ورسله} بإسكان التاء والسين وروي ذلك عن نافع، وقرأ الحسن شذوذًا أيضًا: {ورسْله}: بإسكان السين، وهي رواية عن أبي عمرو، وقرأ عبد الله شذوذًا أيضًا: {وكتابه ولقائه ورسله}، وقرأ الجمهور {وَرُسُلِهِ} بضم السين.

{لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} قرأ الجمهور: {لَا نُفَرِّقُ} بالنون؛ أي: حالة كون الرسول والمؤمنين يقولون: لا نفرق بين أحد من رسله في الإيمان بهم كما فعلت اليهود والنصارى، فآمنوا ببعض وكفروا ببعض، بل نؤمن بجميع رسله تعالى، ونثبت نبوة جميع الأنبياء، ولا نكفر بأحد منهم. والمقصود من هذا الكلام: إثبات النبوة لكلهم، لا ما ادَّعاه بعضهم من أن المقصود هو عدم


(١) البحر المحيط.