للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والإمهال والاستدراج {أَخَذْتُهُمْ} بالعقوبة والعذاب الذي أنزلته بهم. والاستفهام في قوله: {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} للتقريع (١) والتهديد، أو التعجيب؛ أي: فكيف كان عقابي لهؤلاء الكفار الذين استهزؤوا بالرسل، فأمليت لهم ثم أخذتهم؛ أي: على أي حالة وقع عقابي لهم، هل كان ظلمًا لهم أو كان عدلًا؛ أي: هو واقع موقعه أي: هو عدل، فكذلك أفعل بمن استهزأ بك يا محمَّد.

والمعنى: كيف (٢) رأيت يا محمَّد ما صنعت بمن استهزأ برسلي، ولم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - عقوبتهم إلا أنه علم بالتحقيق، فكأنه رأى عيانًا. وفي "بحر العلوم": فإنكم تمرون على بلادهم ومساكنهم، فتشاهدون أثر ذلك، وهذا تعجيب من شدة أخذه لهم؛ سلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن استهزائهم به وأذاهم وتكذيبهم واقتراحهم الآيات بأن له في الأنبياء أسوة، وأن جزاء ما يفعلون به ينزل بهم كما نزل بالمستهزئين بالأنبياء جزاء ما فعلوا. وفيه إشارة إلى أن من أمارات الشقاء الاستهزاء بالأنبياء والأولياء.

والخلاصة (٣): أي ثم أحللت بهم عذابي ونقمتي حين تمادوا في غيهم وضلالهم، فانظر كيف كان عقابي إياهم حين عاقبتهم، ألم أذقهم أليم العذاب، وأجعلهم عبرة لأولي الألباب؟ وقد صدق الله وعده ونصر رسوله على عدوه، فدخل في دين الله من دخل، ومن أبى قتل، ودانت العرب كلها له، وانضوت تحت لوائه، وحقت عليهم كلمة ربك.

٣٣ - وفي هذا: تعجيب مما حلّ بهم، ودلالة على شدته وفظاعة أمره كما لا يخفى. ثم ذكر سبحانه ما يجري مجرى الحجاج عليهم، وما فيه توبيخ لهم وتعجيب من عقولهم، وكيف أنها وصلت إلى حدّ لا ينبغي لعاقلٍ أن يقبله ولا يرضى به، فقال: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} (الهمزة) فيه للاستفهام الإنكاري داخلة (٤) على محذوف، و (الفاء): عاطفة على ذلك المحذوف،


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٤) الصاوي.