للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الظل يتبعها كما يتبع الدليل في الطريق من جهة أنه يزيد بها وينقص، ويمتد ويتقلص. والالتفات إلى نون العظمة؛ لما في جعل المذكور العاري عن التأثير مع ما يشاهد بين الشمس والظل من الدوران المطرد المنبىء عن السببية من مزيد دلالة على عظم القدرة ودقة الحكمة، وهو السر في إيراد كلمة التراخي

٤٦ - {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ} معطوف أيضًا على {مَدَّ}، داخل في حكمه. و {ثُمَّ} للتراخي الزماني؛ أي: ثم أزلنا ذلك الظل الممدود بعدما أنشأناه ممتدًا، ومحوناه بمحض قدرتنا ومشيئتنا عند إيقاع شعاع الشمس موقعه، من غير أن يكون له تأثير في ذلك أصلًا، وإنما عبر عنه بالقبض المنبىء عن جمع المنبسط وطيه؛ لما أنه قد عبر عن إحداثه بالمد الذي هو البسط طولًا، وقوله: {إِلَيْنَا} تنصيص على كون مرجعه إلى الله تعالى، كما أن حدوثه عنه عز وجل. وقيل: معنى {إِلَيْنَا}: علينا؛ أي: {قَبْضًا يَسِيرًا} سهلًا علينا؛ أي: محوًا يسيرًا؛ أي: على مهل وتدريج قليلًا قليلًا بحسب ارتفاع دليله؛ أي: الشمس يعني أنه كلما ازداد ارتفاع الشمس ازداد نقصان الظل في جانب المغرب، فلو قبضه الله تعالى دفعة .. لتعطلت منافع الظل والشمس، فقبضه يسيرًا يسيرًا لتبقى منافعهما والمصالح المتعلقة بهما.

والمعنى (١): أي ثم أزلناه بضوء الشمس يسيرًا يسيرًا، ومحوناه على مهل جزءًا جزءًا بحسب سير الشمس.

٤٧ - وثاني الأدلة: ما ذكره بقوله: {وَهُوَ}؛ أي: الله تعالى وحده {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ} أيها العباد، {اللَّيْلَ لِبَاسًا}؛ أي: كاللباس يستركم بظلامه كما يستر اللباس لابسه، فشبه ظلامه باللباس في الستر، قال ابن جرير: وصف الليل باللباس تشبيهًا له من حيث إنه يستر الأشياء ويغشاها. واللام متعلق بـ {جَعَلَ}.

فإن قلت (٢): إذا كانت ظلمة الليل لباسًا فلا حاجة إلى ستر العورة في صلاة الليل؟


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.