للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: انظر أيها الرسول إلى صنع ربك كيف أنشأ الظل، وكذا الفيء من طلوع الشمس إلى غروبها، فاستخدمه الإنسان للوقاية من لفح الشمس وشديد حرارتها {وَلَوْ شَاءَ} ربك سكون ذلك الظل وثباته على حالة واحدة {لَجَعَلَهُ}؛ أي: لجعل ذلك الظل {سَاكِنًا}؛ أي: ثابتًا على حالة واحدة، لا يتغير بالنقصان والزيادة، لكنه (١) جعله متغيرًا في ساعات النهار المختلفة، وفي الفصول المتعاقبة، ومن ثم اتخذ مقياسًا للزمن منذ القِدم، فاتخذ المصريون المسلات، وقاسوا بها أوقات النهار على أوضاع مختلفة، وطرق حكيمة منوعة، واتخذ العرب المزاول لمعرفة أوقات الصلاة، فقالوا: يجب الظهر عند الزوال؛ أي: إذا تحول الظل إلى جانب المشرق، والعصر حين بلوغ ظل كل شيء مثله عند الأئمة عدا أبا حنيفة، فإنه قال: لا يجب إلا إذا بلغ ظل كل شيء مثليه.

والمعنى (٢): ولو شاء الله سبحانه سكونه ودوامه لجعله ساكنًا ثابتًا دائمًا مستقرًا، لا تنسخه الشمس. وقيل: المعنى: لو شاء لمنع الشمس من الطلوع. والأول أولى، والتعبير بالسكون عن الإقامة والاستقرار سائغ، ومنه قولهم: سكن فلان بلد كذا إذا أقام به واستقر فيه. وهذه الجملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه، اعترض بها للتنبيه من أول الأمر على أنه لا مدخل فيما ذكر من المد للأسباب العادية، وإنما المؤثر فيه المشيئة والقدرة.

{ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} معطوف على قوله: {مَدَّ الظِّلَّ}، داخل في حكمه ولم يقل: دالة؛ لأن المراد ضوء الشمس؛ أي: ثم جعلنا طلوع الشمس دليلًا على ظهور الظل، ومشاهدته للحسّ والعيان، والأشياء تستبين بأضدادها، فلولا الشمس لما عرف الظل، ولولا الظلمة ما عرف النور.

والمعنى (٣): جعلناها علامة يستدل بأحوالها المتغيرة على أحواله من غير أن يكون بينهما سببية وتأثير قطعًا حسبما نطقت به الشرطية المعترضة، وذلك لأن


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.