استعمالها، كهولًا وشبانًا وغلمانًا، بدل ما استغرقوا أعمارهم في آلة الحراثة والزراعه كابرًا عن كابر، أفلا تنتبهون أيتها الأمة المستأمرة من سِنة الغفلة والعبودية. أفلا تعلمون أنتم في الحياة البرزخية والحياة البهيمية، بل حياتها أحسن من حياتكم؛ لأنها محبوبة محترمة عند صاحبها، فيا مصيبة عليكم ما أعظمها وما أقبحها، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقد شدد دين الإِسلام الحنيف أيما تشديد في هذا الأمر، أعني الاستعداد للعدو، فجاء مثل قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} وجاءت أحاديث كثيرة بهذا المعنى.
٧٢ - والخطاب في قوله:{وَإِنَّ مِنْكُمْ} لجماعة المؤمنين بحسب الظاهر الشامل للمنافقين وضعفاء الإيمان؛ أي: وإن من عسكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، {لَمَنْ} وعزتي وجلالي {لَيُبَطِّئَنَّ}؛ أي: ليتثاقلنَّ ويتأخرنَّ عن الجهاد، ويتخلَّفنَّ عن القتال معكم، وهم المنافقون وضعفاء الإيمان، فالمنافقون يرغبون عن الحرب؛ لأنهم لا يحبون أن يبقى الإِسلام وأهله، ولا أن يدافعوا عنه ويحموا بيضته، فهم يبطئون عن القتال، ويبطئون غيرهم عن النفر إليه، والجبناء وضعفة الإيمان يبطئون بأنفسهم عن القتال خورًا وخوفًا من صليل السيوف ومن الكر والفر ومقابلة العدو وهو شاكي السلاح، ثم فصل أحوال هؤلاء الضعفاء فقال:{فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ} أيها المؤمنون المجاهدون، ونزلت بكم {مُصِيبَةٌ}؛ أي: واقعة من قتل أو هزيمة أو جهد عيش، {قَال} ذلك المبطىء فرحًا بما فعل حامدًا رأيه شاكرًا ربه: {قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ} بالقعود وأكرمني بالسلامة، {إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا}؛ أي: حاضرًا معهم في المعركة، فيصيبني مثل ما أصابهم من المصائب والشدة.
وقرأ الجمهور (١): {لَيُبَطِّئَنَّ} بالتشديد، وقرأ مجاهد {ليبطئن} بالتخفيف، والقرآتان يحتمل أن يكون الفعل فيهما لازمًا؛ لأنهم يقولون: أبطأ وبطأ في معنى