الحذر، فلا يعارض هذه الآية؛ لأن الأمر بالحذر داخل في القدر، فالأمر به لندفع عنا شرَّ الأعداء، لا لندفع القدر ونبطله؛ إذ القدر هو جريان الأمور بنظام تأتي فيه الأسباب على قدر المسببات، والحذر من جملة الأسباب، فهو عمل بمقتضى القدر لا بما يضاده.
{فَانْفِرُوا}؛ أي: فاخرجوا لقتال عدوكم، وانهضوا لمقاومته، {ثُبَاتٍ}؛ أي: جماعات بعد جماعات، سرية بعد سرية، {أَوِ انْفِرُوا}: واخرجوا إلى لقائه كلكم {جَمِيعًا}؛ أي: مجتمعين كوكبة واحدة، والتخيير فيه لولاة الأمور بحسب اجتهادهم، والمراد بادروا كيفما أمكن؛ أي: فانفروا جماعة إثر جماعة، بأن تكونوا فصائل وفرقا إذا كان الجيش كبيرًا، أو موقع العدو يستدعي ذلك، أو تنفر الأمة كلها جميعًا إذا اقتضت الحال ذلك بحسب قوة العدو.
والخلاصة: أنكم إما أن تنفروا جماعات جماعات، وإما أن ينفر جميع المؤمنين على الإطلاق بحسب حال العدو.
وامتثال هذا الأمر يقتضي أن تكون الأمة على استعداد دائم للجهاد، بأن يتعلم كل فرد من أفرادها فنون الحرب، ويتمرن عليها، وأن تقتني السلاح الذي تحتاج إليه في هذا النضال، وتتعلم كيفية استعماله في كل زمان بما يناسبه.
وبهذا تعلم أن الحكومة الإِسلامية يجب عليها أن تقيم هذا الواجب بنفسها، لا أن تبقى عالة على غيرها وعلى الأمة أن تساعدها عليه، بل تلزمها إياه إذا قصرت فيه، بعكس ما نراه الآن من تراخي الأمم الإِسلامية وضعفها وتوانيها في ذلك، حتى طمعت فيها كل الدول التي تجاورها، واجتاحتها من أطرافها، واجتثت كثيرًا من أراضيها وأقاليمها، واستأمرت عليها واستعبدتها، وضربت عليها الخراج والجزية، كالشعوب الأرومية الإِسلامية في شرق أفريقيا، استعبدها استئمار الحبوش، فعلى الأمة الإِسلامية التي استعبدها الاستئمار أن يتوبوا إلى ربهم، ويتمسكوا بدينهم، ويعضوا عليه بالنواجذ، ويتوسلوا إلى ربهم بصالح أعمالهم، ويسألوا الله النصر على أعدائهم الشيوعية، ويستغيثوا بالأمم الإِسلامية التي تجاورهم، وأن يأخذوا أهبة الحرب وسلاحها، ويتعلموا