للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جاءت به السحرة، إلا أنه أقوى منهم سحرًا، ويدل على ما قلنا قوله تعالى: {تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} {تلقف ما صنعوا}، وما أفكوا الحبال وما صنعوا العصي بسحرهم، وإنما صنعوا وأفكوا في أعين الناظرين صور الحيات، وهي التي تلقفته عصا موسى، ذكره الإِمام الشعراني في "الكبريت الأحمر".

٤٦ - {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ} على وجوههم حالة كونهم {سَاجِدِينَ} لله تعالى؛ أي: ألقوا إثر ما شاهدوا ذلك من غير تردد غير متمالكين، كأن ملقيًا ألقاهم لعلمهم بأن مثل ذلك خارج عن حدود السحر، وأنه أمر إلهي قد ظهر على يده لتصديقه.

قال الزمخشري (١): فإن قلت: فاعل الإلقاء ما هو لو صرّح به؟

قلت: هو الله عز وجل بما خولهم من التوفيق وإيمانهم، أو بما عاينوا من المعجزة الباهرة، انتهى.

وفي هذا (٢): دليل على أن التبحر في كل فن نافع، فإن السحرة ما تيقنوا بأن ما فعل موسى معجزهم إلا بمهارتهم في فن السحر، وعلى أن منتهى السحر تمويه وتزوير وتخييل شيء لا حقيقة له، وجه الدلالة أن حقيقة الشيء لو انقلبت إلى حقيقة شيء آخر بالسحر .. لما عدوا انقلاب العصا حية من قبيل المعجزة الخارجة عن حد السحر، ولما خروا ساجدين عند مشاهدته، وقد سبق تفصيل السحر في سورة طه.

قال بعضهم: السِّحر: مأخوذ من السَّحر، وهو ما بين الفجر الأول والفجر الثاني، وحقيقته اختلاط الضوء والظلمة، فما هو بليل لما خالطه من ضوء الصبح، ولا هو بنهار لعدم طلوع الشمس للأبصار، فكذلك ما فعله السحرة ما هو باطل محقق فيكون عدمًا، فإن العين أدركت أمرًا لا تشك فيه، وما هو حق محض فيكون له وجود في عينه، فإنه ليس هو في نفسه كما تشهد العين ويظنه الرائي. قال الشعراني بعدما نقله: هو كلام نفيس ما سمعنا مثله قط.


(١) الكشاف.
(٢) روح البيان.