للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد اختلفوا (١): هل كانت الجنّ والشياطين ترمى بالشهب قبل المبعث أم لا؟ فقال قوم: لم يكن ذلك، وحكى الواحدي عن معمر قال: قلت للزهري: أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية؛ قال: نعم، قلت: أفرأيت قوله: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا} الآية؟ قال: غلظت وشدد أمرها حين بعث محمد - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن قتيبة: إن الرجم قد كان قبل مبعثه - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه لم يكن مثله في شدة الحراسة بعد مبعثه، وكانوا يسترقون في بعض الأحوال، فلما بعث منعوا من ذلك أصلًا. وقال عبد الملك بن سابور: لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام، فلما بعث محمد - صلى الله عليه وسلم - حرست السماء ورميت الشياطين بالشهب، ومنعت من الدنو إلى السماء. وقال نافع بن جبير: كانت الشياطين في الفترة تسمع فلا تُرمى، فلما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. رميت بالشهب.

٩ - ١٠ {وَأَنَّا لَا نَدْرِي}؛ أي: وقالوا: إنا لا ندري؛ أي: قالت الجن بعضهم لبعض: لا ندري ولا نعرف {أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ في الْأَرْضِ} بحراسة السماء منّا {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}؛ أي: خيرًا وإصلاحًا أوفق لمصالحهم. والاستفهام لإظهار العجز عن الاطلاع على الحكمة، وارتفاع {أَشَرٌّ} على الاشتغال أو على الابتداء، وخبره ما بعده، والأول أولى، والجملة سادّة مسدّ مفعولي {نَدْرِي}. والأصح: أن هذا من قول الجنّ فيما بينهم، وليس من قول إبليس، كما قاله ابن زيد.

والمعنى: أي إن السماء لم تحرس إلا لأحد الأمرين (٢):

الأول: إمّا لعذاب يريد الله أن ينزله على أهل الأرض بغتة.

الثاني: وإما لنبي مرشد مصلح. وكأنهم يقولون: أعذابًا أراد الله أن ينزله بأهل الأرض بمنعه إيَّانا السمع من السماء ورجمه من استمع منّا بالشهب.، أم أراد بهم ربهم الهدى بأن يبعث منهم رسولًا مرشدًا يهديهم إلى الحق وإلى طريق مستقيم.

١٠ - ١١ {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ}؛ أي: وقال الجن بعضهم لبعض لما دعوا أصحابهم


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.