إلى الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم -: وإنا كنا قبل استماع القرآن منا الموصوفون بصلاح الحال في شأن أنفسهم، وفي معاملتهم مع غيرهم، أو بما يكون إلى الخير والصلاح حسبما تقتضيه الفطرة السليمة لا إلى الشرِّ والفساد، كما هو مقتضى النفوس الشريرة. والقصر ادّعائي كأنهم لم يعتدوا بصلاح غير ذلك البعض، فـ {الصَّالِحُونَ} مبتدأ و {مِنَّا} خبره المقدم، والجملة خبر {إنّ}، ويجوز أن يكون {الصَّالِحُونَ} فاعل الجار والمجرور البخاري مجرى الظرف لاعتماده على المبتدأ. {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ}؛ أي: قوم دون ذلك في الصلاح؛ أي: دون الموصوفين بالصلاح، فحذف الموصوف؛ لأنّه يجوز حذف هذا الموصوف في التفصيل بـ {مِنْ} حتى قالوا: مِنّا ظعن ومنّا أقام، يريدون منّا فريق ظعن ومنا فريق أقام. و {دُونَ} ظرف، وهم المقتصدون في صلاح الحال على الوجه المذكور غير الكاملين فيه لا في الإيمان والتقوى كما توهّم، فإن هذا بيان لحالهم قبل استماع القرآن كما يعرب به عنه قوله تعالى:{كُنَّا} قبل استماع القرآن {طَرَائِقَ قِدَدًا}؛ أي: جماعات متفرقة وفرقًا مختلفة أهواؤها. وقد تعددوا قالوا: في الجن قدرية، ومرجئة، وخوارج، وروافض، وشيعية وسنية.
وأما حالهم بعد استماع القرآن فيحكى بقوله:{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى} إلى قوله: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ}؛ أي: كنا قبل هذا طرائق في اختلاف الأحوال، فهو بيان للقسمة المذكورة، ولا بدّ من تقدير مضاف؛ أي: كنّا ذوي طرائق لامتناع كون الذوات طرائق. قال في "المفردات": الطرائق جمع طرق، والطرق جمع طريق، فهو جمع الجمع. والظاهر: أن الطرائق جمع طريقة كقصائد جمع قصيدة، والطريق في الأصل: المكان الذي يطرق؛ أي: يضرب بالأرجل، ومنه استعير كل مسلك يسلكه الإنسان في فعل محمودًا كان أو مذمومًا والقدد: جمع قد، وهو قطع الشيء طولًا، والقدّ أيضًا المقدود، ومنه قيل لقامة الإنسان: قد، والقدّة: القطعة. يعني: أنها من النقد كالقطعة من القطع، وصفت الطرائق بالقدد لدلالتها على معنى التقطع والتفرق، يقال: صار القوم قددًا إذا تفرقت أحوالهم.
وقال بعض المفسرين: المراد بالصالحين السابقون بالخيرات، وبما دون ذلك؛ أي: أدنى مكان منهم المقتصدون الذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيّئًا، وأمّا الظالمون لأنفسهم فمندرج في قوله تعالى:{كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا}، فيكون تعميمًا