للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبإشارته منبىء عن بطلان السؤال الأخير وصحة جوابه؛ إذ لولا أن التنزيل على التدريج .. لما أمكن إبطال تلك الاقتراحات الشنيعة، أو يقال: كل نبي إذا قال له قومه قولًا .. كان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يرد عليهم، وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قالوا له شيئًا .. فالله يرد عليهم.

وحاصل المعنى (١): ولا يأتيك هؤلاء المشركون بصفة غريبة من الصفات التي يقترحونها، ويريدون بها القدح في نبوتك إلا دحضناها بالحق الذي يدفع قولهم، ويقطع عروق أسئلتهم السخيفة، ويكون أحسن بيانًا مما يقولون، ونحو الآية قوله: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ}.

والخلاصة: أنهم لا يقترحون اقتراحًا من فاسد مقترحاته إلا أتيناك بما يدفعه، ويوضح بطلانه.

٣٤ - وبعد أن وصفوا رسوله بتلك الأوصاف السالفة تحقيرًا له .. سلاه على ذلك، وطلب إليه أن يقول لهم: {الَّذِينَ}: مبتدأ أول {يُحْشَرُونَ} يوم القيامة، ويسحبون {عَلَى وُجُوهِهِمْ} ويجرون {إِلَى جَهَنَّمَ} {أُولَئِكَ}: مبتدأ ثان {شَرٌّ}: خبر المبتدأ الثاني {مَكَانًا}؛ أي: مكانة ومنزلة، أو مسكنًا ومنزلًا في الآخرة {وَأَضَلُّ سَبِيلًا}؛ أي: أخطأ طريقًا عن الحق والهدى من كل أحد في الدنيا.

والمعنى: أي إني لا أقول لكم كما تقولون، ولا أصفكم بمثل ما تصفونني به، بل أقول لكم: إن الذين يسحبون إلى جهنم، ويجرون بالسلاسل والأغلال هم شر مكانًا، وأضل سبيلًا، فانظروا بعين الإنصاف، وفكروا من أولى بهذه الأوصاف منا ومنكم؛ لتعلموا أن مكانكم شر من مكاننا، وسبيلكم أضل من سبيلنا، وهذا على نسق قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٤)}، ويسمون هذا الأسلوب في المناظرة بـ إرخاء العنان للخصم؛ ليسهل إفحامه وإلزامه.

والمراد أن الملائكة تسحبهم وتجرهم على وجوههم إلى جهنم، أو كون


(١) المراغي.