للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلا بالوزن؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نص عليها بالوزن، فهو وزني أبدًا وإن ترك الناس فيه الوزن، فهذا القول قوي في نفسه، وهو قول الإِمام أبي حنيفة ومحمد مطلقًا. وقول أبي يوسف في غير ظاهر الرواية وهي خروجها عن الوزنية بتعامل الناس إلى العددية، فهذه الرواية وإن كانت ضعيفة فالقول بها واجب ولازم فرارًا من الفتنة، فيجب على القضاة والمفتين والوعاظ معرفة أحوال الناس وعاداتهم في القبول والرد والسعي والكسل ونحوها، فيكلمونهم بالأصلح والأوفق لهم حتى لا يكون كلامهم فتنة للناس، وكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه يجب على الآمر والناهي معرفة أحوال الناس وعاداتهم وطبائعهم ومذاهبهم؛ لئلا يكون فتنة للناس وتهييجًا للشر، وسببًا لزيادة المنكر وإشاعة المكروه.

ثم حكم عليهم بما يستحقون بما دسوا به أنفسهم، فقال: {أُولَئِكَ} الموصوفون بهذه الصفات الذميمة {لَهُمُ} بسبب تلك الصفات المذكورة {اللَّعْنَةُ} في الآخرة؛ أي: الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى ورضوانه {وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}؛ أي: الدار السيئة القبيحة، وهي جهنم دار البوار جزاء وفاقًا لما اجترحوه من السيئات وأتوا به من الشرور والآثام، فاللعنة وسوء العاقبة لاصقان بهم لا يعدوانهم إلى غيرهم، وفيه تنفير للمسلمين عن هذه الخصال الثلاث، وأن لا ترفع همتهم حول ذلك الحمى.

٢٦ - ولما كان (١) كثير من الأشقياء فتحت عليهم نعم الدنيا ولذاتها أخبر تعالى أنه هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، والكفر والإيمان لا تعلق لهما بالرزق، فقال: {اللَّهُ} سبحانه وتعالى وحده هو الذي {يَبْسُطُ الرِّزْقَ} ويوسعه في الدنيا {لِمَنْ يَشَاءُ} بسطه وتوسيعه عليه {وَيَقْدِرُ}؛ أي: يضيق الرزق على من يشاء من عباده، ويعطيه بقدر كفايته لا يفضل عنه شيء. كأنه قيل (٢): لو كان من نقض عهد الله ملعونين في الدنيا ومعذبين في الآخرة .. لِمَ فتح الله عليهم أبواب النعم واللذات في الدنيا. فقيل: إن فتح باب الرزق في الدنيا لا تعلق له بالكفر والإيمان، بل هو متعلق بمجرد مشيئة الله، فقد يضيق على المؤمن امتحانًا لصبره


(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.