للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وجاء أيضًا: "المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو اشتكى باقي الأعضاء بالسهر والحمى".

ولم يتعرض هنا لنفي الخشية والخوف عنهم وما بعدهما من الأوصاف المتقدمة (١)؛ لدخولها في النقض والقطع {وَيُفْسِدُونَ في الْأَرْضِ} بظلمهم لأنفسهم بعبادة غير الله تعالى، وبظلمهم لغيرهم بدعوتهم إلى الشرك وانتهاب أموالهم واغتصابها بلا حق، وتهييج الفتن بين المسلمين، وإثارة الحرب عليهم وإظهار العدوان لهم.

وفي الحديث (٢): "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها" وهي إيقاع الناس في الاضطراب والاختلال والاختلاف والمحنة والبلية بلا فائدة دينية، وذلك حرام؛ لأنه فساد في الأرض وإضرار للمسلمين وزيغ وإلحاد في الدين.

فمن الفتنة أن يغري الناس على البغي والخروج على السلطان، وذلك لا يجوز وإن كان ظالمًا؛ لكونه فتنة وفسادًا في الأرض، وكذا معاونة المظلومين إذا أرادوا الخروج عليه، وكذا المعاونة له لكونه إعانة على الظلم، وذلك لا يجوز.

ومنها: أن يقول للناس ما لا تصل عقولهم إليه، وفي الحديث: "أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم". ومنها أن يذكر للناس ما لا يعرفه بكنهه ولا يقدر على استخراجه، فيوقعهم في الاختلاف والاختلال، والفتنة والبلية، كما هو شأن بعض الوعاظ في زماننا.

ومنها: أن يحكم أو يفتي بقول مهجور أو ضعيف أو قوي يعلم أن الناس لا يعلمون به، بل ينكرونه أو يتركون بسببه طاعة أخرى كمن يقول لأهل القرى والبوادي والعجائز والعبيد والإماء: لا تجوز الصلاة بدون التجويد وهم لا يقدرون على التجويد، فيتركون الصلاة رأسًا، وهي جائزة عند البعض، وإن كان ضعيفًا فالعمل به واجب.

وكمن يقول للناس: لا يجوز البيع والشراء والاستقراض بالدراهم والدنانير


(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.