للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

موضعه برأيهم واجتهادهم {وَيَشْتَرُونَ بِهِ}؛ أي؛ ويأخذون بسبب كتمانه من سفلتهم {ثَمَنًا قَلِيلًا}؛ أي: عوضًا حقيرًا يسيرًا من حطام الدنيا كالرشوة على الكتمان المذكور، أو الجعل؛ أي: الأجر على الفتاوى الباطلة، أو نحو ذلك مما يستفيده الرؤساء من المرؤوسين، وسمي قليلًا وإن كان كثيرًا في ذاته؛ لأن كل عوض عن الحق .. فهو قليل في جنب ما يفوت آخذه من سعادة الحق الدائمة بدوام المحافظة عليه، والمبطل وإن تمتع بثمن الباطل .. فذاك إلى أمد الحياة القصير كما قال: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ}.

{أُولَئِكَ} الكاتمون لكتاب الله المتجرون به {مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ} من ثمنه {إِلَّا النَّارَ}؛ أي: إلا الحرام الذي يكون سببًا لدخولهم النار يوم القيامة، وقد يكون (١) المعنى: إنه لا تملأ بطونهم إلا النار؛ أي: لا يشبع جشعهم إلا النار التي يصيرون إليها، على نحو ما جاء في الحديث: "ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب".

وهذا الحكم عام يصدق على علماء المسلمين الذين يعرضون عن السنن، ويظهرون البدع كما يصدق على غيرهم، فسنة الله مطردة في تأييد أنصار الحق، وخذلان أهل الباطل. {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} بكلام لطف ورحمة {يَوْمَ الْقِيَامَةِ}؛ أي: إن الله تعالى يعرض عنهم ويغضب عليهم، وقد جرت عادة الملوك إذا غضبوا .. أعرضوا عن المغضوب عليهم، ولم يكلموهم، كما أنّهم حين الرضا يلاطفون من يرضون عنه، ويقابلونه بالبشاشة والبشر.

{وَلَا يُزَكِّيهِمْ}؛ أي: ولا يطهرهم من دنس الذنوب بالمغفرة، والصفح عنهم إذا ماتوا وهم مصرون على كفرهم وكتمانهم {وَلَهُمْ}؛ أي: ولهؤلاء الكاتمين {عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: شديد الألم والإيجاع، يخلص ألمه إلى قلوبهم.

١٧٥ - {أُولَئِكَ} الكاتمون الذين جزاؤهم ما تقدم، هم {الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ}؛ أي: أخذوها واختاروها لأنفسهم في الدنيا {بِالْهُدَى}؛ أي: بدل الهدى {و}


(١) المراغي.