للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يتوهم استحقاقهم للمعبودية، أو انتسابهم إليه بالولادة. يعني: أن الملائكة مثلكم في الجسمية واحتمال خلقها توليدًا لما ثبت أنهم أجسام، والأجسام كلها متماثلة، فيجوز على كل منها ما يجوز على الآخر، كما جاز خلقها إبداعًا، وذات القديم الخالق لكل شيء متعالية عن مثل ذلك.

فقوله: {وَلَوْ نَشَاءُ ...} إلخ، لتحقيق (١) أن مثل عيسى ليس ببدع من قدرة الله، وأنه تعالى قادر على أبدع من ذلك، وهو توليد الملائكة من الرجال، مع التنبيه على سقوط الملائكة أيضًا عن درجة المعبودية، والمعنى الأول أولى وفي الآية إشارة، إلى أن الإنسان لو أطاع الله تعالى؛ لأنعم الله عليه، بأن جعله متخلقًا باخلاق الملائكة، ليكون خليفة الله في الأرض بهذه الأخلاق، ليستعد بها إلى أن يتخلق باخلاق الله، فإنها حقيقة الخلافة.

والمعنى على القول الأول: ولو شئنا لأهلكناكم، وجعلنا بدلكم في الأرض ملائكة يعمرونها ويعبدوننا، وفي الآية على هذا المعنى تهديد وتخويف لكفار قريش، وقد يكون المعنى: ولو شئنا لجعلنا ذريتكم ملائكة يخلفونكم في الأرض، كما يخلفكم أولادكم، كما خلقنا عيسى من أنثى بلا ذكر، وجعلناه رجلًا.

والخلاصة (٢): أننا لو شئنا لجعلنا في الأرض عجائب، كأمر عيسى بحيث يلد الرجل ملكًا فيخلفه، فباب العجائب وتغير السنن لا حد له عندنا، فكم من نواميس خافية عليكم بيدنا تصريفها.

٦١ - {وَإِنَّهُ} أي: وإن عيسى بن مريم عليه السلام بنزوله في آخر الزمان {لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} أي (٣): لشرط من أشراط الساعة، يعلم بنزوله قربها، وتسميته علمًا لحصوله به، فهي على المبالغة في كونه مما يعلم به، فكأنه نفس العلم بقربها، أو المعنى: إن حدوثه بغير أب، أو إحياءه الموتى دليل على صحة البعث، الذي


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.