على الوحي أحكامًا كثيرةً من تلقاء أنفسهم، وخالفوا ما نزل بتأويلاتٍ وتعسفات بعيدةٍ عن روح الدين وسره.
وقوله:{الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} خبران آخران للمبتدأ؛ أي: وإلهكم هو الرحمن؛ أي: كثير الرحمة والإنعام لعباده بحلائل النعم، الرحيم؛ أي: كثير الرحمة والإحسان لعباده بدقائق النعم.
فالله تعالى (١) هو الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، فحسب المرء أن يرجوها، ولا يعتمد على رحمة سواه ممن يظن أنهم مقربون إليه؛ إذ كل ما يعتمد عليه من دونه، فليس أهلًا للاعتماد عليه، بل الاعتماد عليه من قبيل الشرك.
والإله الذي بيده أزمة المنافع، والقادر على دفع المضار؛ واحدٌ لا سلطان لأحد على إرادته، ولا مبدل لكلماته، ولا أوسع من رحمته.
وإنما ذكر الوحدة والرحمة دون غيرهما من صفاته؛ لأن الوحدة تذكر أولئك الكافرين الكاتمين للحق بأنهم لا يجدون ملجأ غيرَ الله يقيهم عقوبته ولعنته، والرحمة بعدها ترغبهم في التوبة، وتحول بينهم وبين اليأس من فضله بعد أن اتخذوا الوسطاء والشفعاء عنده.
وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)} وفاتحة آل عمران {الم (١) اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢)} أخرجه أبو داود والترمذي، وقال حديث صحيح.
١٦٤ - ثم ذكر الله سبحانه وتعالى بعض ظواهر الكون الدالة على وحدانيته ورحمته؛ لتكون برهانًا على ما ذكر في الآية قبلها فقال:{إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...} إلى آخر الآية، فذكر من عجائب مخلوقاته ودلائل قدرته ووحدانيته