للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صف لنا ربك؟ أو خطابًا لمن يعبد مع الله غيره من صنم ووثن ونار.

وقال في "المنتخب": لمّا قال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ..} أمكن أن يخطر ببال أحد أن يقول: هب أن إلهنا واحد، فلعل إله غيرنا مغاير لإلهنا، فلا جرم أن يزيل ذلك الوهم ببيان التوحيد المطلق، فقال: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} فقوله: {لَا إِلَهَ}: يقتضي النفي العام الشامل، فإذا قال بعده: {إلا الله} أفاد التوحيد التام المطلق المحقق. انتهى.

{لَا إِلَهَ}؛ أي: لا معبود بحق في الوجود {إِلَّا هُوَ}؛ أي: إلا الله الواحد الفرد الصمد، وهذه (١) الجملة توكيدٌ لمعنى الوحدانية، ونفي الإلهية عن غيره، وهي جملة جاءت لنفي كل فرد فرد من الإلهية، ثم حصر ذلك المعنى فيه تبارك وتعالى، فدلت الجملة الأولى على نسبة الوحدانية إليه تعالى، ودلت الثانية على حصر الإلهية فيه.

والمعنى (٢): إلهكم الحقيق بالعبادة إله واحد، فلا تشركوا به أحدًا، والشرك به ضربان.

الأول: شرك في الألوهية والعبادة: بأنْ يعتقد المرء أن في الخلق من يشارك الله، أو يعينه في أفعاله، أو يحمله على بعضها، ويصده عن بعض، فيتوجه إليه في الدعاء عندما يتوجه إلى الله ويدعوه معه، أو يدعوه من دون الله؛ ليكشف عنه ضرًّا، أو يجلب له نفعًا.

الثاني: شرك به في الربوبية: بأنْ يسند الخلق والتدبير إلى غيره معه، أو أخذ أحكام الدين من عبادة وتحليل وتحريم من غير كتبه ووحيه الذي بلغه عنه الرسل استنادًا إلى أن من يؤخذ عنهم الدين هم أعلم بمراد الله؛ وهذا هو المراد بقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ}.

فواجب على علماء الدين أن يبينوا للناس ما نزله الله ولا يكتموه، لا أن يزيدوا فيه، أو ينقصوا منه كما فعل مَنْ قبلَهم من أهل الكتب المنزلة حين زادوا


(١) البحر المحيط.
(٢) مراغي.