للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا سمع الآذان.

وقال بعضهم: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}؛ أي: قرآنًا وهو سبب حياة المؤمنين فأحيا به القلوب الميتة بالجهل {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} القرآن بسمع يسمع به كلام الله من الله، فإن الله تعالى متكلم بكلام أزلي أبدًا، ولا يسمع كلامه إلا من أكرمه الله بسمع يسمع كلامه، كقوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ}.

وعلامة (١) السامعين لكلام الله تعالى المتحقِّقين في سماعهم انقيادهم إلى كل عمل مقرب إلى الله تعالى من جهة سماعه؛ أعني من التكليف المتوجه على الأذن من أمر أو نهي كسماعه للعلم، والذكر والثناء على الحق تعالى، والموعظة الحسنة والقول الحسن، ومن علامتهم أيضًا التصامم عن سماع الغيبة والبهتان، والسوء من القول، والخوض في آيات الله، والرفث والجدال، وسماع القينات والملاهي، وكل محرم حجر الشارع عليك سماعه، نسأل الله تعالى أن يحفظنا في أسماعنا وأبصارنا وجوارحنا من كل ما يبعدنا عن الله تعالى.

والحاصل (٢): أنَّ الله سبحانه وتعالى نبَّه عباده إلى الحجج الدالة على توحيده، وأنه لا تنبغي الألوهية إلا له، ولا تصلح العبادة لشيء سواه، فبين أن ذلك المعبود هو الذي أنزل من السماء مطرًا، فأنبت به أنواعًا مختلفة من النبات في أرض ميتة يابسة، لا زرع فيها ولا عشب، إن في ذلك الإحياء بعد الموت لدليلًا واضحًا وحجةً قاطعة على وحدانيته تعالى، وعلمه وقدرته لمن يسمع هذا القول سماع تدبر وفهم لما يسمع، إذ لا عبرة بسماع الآذان، فهو بسماع الحيوان أشبه.

٦٦ - وبعد ذكر نزول الماء من السماء .. ذكر خروج اللبن من الضرع، وفيه أكبر الأدلة على قدرة القادر فقال: {وَإِنَّ لَكُمْ}، أيها الناس {فِي الْأَنْعَامِ} جمع نعم بالتحريك، وهي الأنواع الأربعة التي هي الإبل والبقر والضأن والمعز، {لَعِبْرَةً}؛


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.