وأخيه، للإشعار بعراقته في الصبر، الذي هو المقصود بالتذكر، وذلك لأنه، أسلم نفسه للذبح في سبيل الله، أو ليكون أكثر تعظيما، فإنه جد أفضل الأنبياء والمرسلين. {وَ} اذكر {الْيَسَعَ} هو ابن أخطوب من العجوز، استخلفه إلياس - عليه السلام - على بني إسرائيل، ثم اسُتنبىء، ودخلت اللام على العلم، لكونه منكرا، بسبب طرو الاشتراك عليه، فعرّف باللام العهدية على إرادة اليسع الفلاني، مثل قول الشاعر:
رَأَيْتُ الْوَلِيْدَ بْنَ الْيَزِيْدِ مُبَارَكًا
أو هي زائدة، وقرأ حمزة، والكسائي: بتشديد اللام وسكون الياء.
{وَ} اذكر {ذَا الْكِفْلِ} هو ابن عم يسع، أو بشر بن أيوب عليه السلام، بعث بعد أبيه إلى قوم في الشام. واختلف في نبوته، والأكثرون على أنه نبي لذكره في سلك الأنبياء، واختلف أيضًا أنه إلياس أو يوشع أو زكريا أو غيرهم؟. وإنما لقّب بذي الكفل؛ لأنه فرّ إليه مئة نبي من بني إسرائيل من القتل، فآواهم وكفلهم بمعنى: أطعمهم وكساهم وكتمهم من الأعداء.
{وَكُلٌّ} أي: وكل (١) من المتقدمين من داود إلى هنا {مِنَ الْأَخْيارِ}؛ أي: من المشهورين بالخيرية؛ أي: ممن اختاره الله للنبوة، واصطفاه من خلقه، وهذه الآيات تعزية، وتسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إذا اجتهدوا في الطاعات، وقاسوا الشدائد والآفات، وصبروا على البلايا والأذيات من أعدائهم، مع أنهم مفضولون، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أولى بذلك لكونه أفضل منهم، والأفضل يقاسي ما لا يقاسي المفضول، إذ به تتم رتبته، وتظهر رفعته، والأخيار: جمع خيِّر أو خير على التخفيف، كأموات جمع ميِّت أو ميت.
٤٩ - {هَذَا} المذكور من الآيات الناطقة، بمناقب الأنبياء {ذِكْرٌ}؛ أي: شرف لهم، وذكر جميل يذكرون به أبدًا، كما يقول: يموت الرجل ويبقى اسمه وذكره، ويموت الفرس ويبقى ميدانه.