للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إضلاله باقتراح الآيات تعنتًا بعد تبين الحق وظهور المعجزات، فلا تغنى عنه كثرة المعجزات شيئًا إذا لم يهده الله تعالى {وَيَهْدِي} سبحانه تعالى {إِلَيْهِ}؛ أي: من أقبل إلى الحق ورجع عن العناد، فضمير {إِلَيْهِ}؛ أي: إلى الحق أو إلى الإِسلام، أو إلى جنابه تعالى {مَنْ أَنَابَ}؛ أي: من أقبل إلى الحق ورجع عن العناد: فضمير {إِلَيْهِ} راجع إلى الحق، أو من (١) رجع إلى الله التوبة والإقلاع عما كان عليه. وأصل الإنابة: الدخول في نوبة الخبر.

والمعنى (٢): أي إنه لا فائدة لكم في نزول الآيات إن لم يُرد الله تعالى هدايتكم، فلا تشغلوا أنفسكم بها، ولكن تضرعوا إليه واطلبوا منه الهداية، فإن الضلال والهداية بيده، وإليه مقاليدها، وادعوه أن يهيىء لكم من أمره رشدًا، وأن يمهد لكم وسائل النجاة والسعادة، ويدفع عنكم نزعات الشيطان ووساوسه؛ لتظفروا بالحسنى في الدارين.

والخلاصة: أن في القرآن وحده غنى عن كل آية، فلو أراد الله هدايتكم لصرف اختياركم إلى تحصيل أسبابها، وكان لكم فيه مرشدًا أيما مرشد، ولكن الله جعلكم سادرين في الضلالة لا تلوون على شيء، ولا ينفعكم إرشاد ولا نصح؛ لسوء استعدادكم وكثرة لجاجكم وعنادكم، ومن كانت هذه حاله فأنى له أن يهتدي ولو جاءته كل آية كما قال: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ}، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)} وقال: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١)}.

٢٨ - أما (٣) من أقبلوا إلى الله وتأملوا في دلائله الواضحة، وسلكوا طرقه المعبدة، فالله ينير بصائرهم ويشرح صدورهم، وهم لا بد واصلون إلى الفوز


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.