٥ - وقوله: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (٥)}؛ أي: فتت الجبال فتا، معطوف على {رُجَّتِ}؛ أي: فتتت حتى صارت كالدقيق المبسوس؛ أي: المبلول؛ أي: مثل السويق الملتوت من بس السويق إذا لته، والبسيسة: سويق يلت، فيتخذ زادًا، وقيل: صارت كثيبًا مهيلًا بعد أن كانت شامخة. وقيل: معناه: قلعت من أصلها، وسيّرت على وجه الأرض حتى ذهب بها.
٦ - {فَكَانَتْ}؛ أي: صارت الجبال بسبب ذلك {هَبَاءً}؛ أي: غبارًا. وهو ما يسطع من حوافر الخيل، أو الذي يرى في شعاع الكوّة، أو الهباء: ما يتطاير من شرر النار، أو ما ذرته الريح من الأوراق. {مُنْبَثًّا}؛ أي: منتشرًا متفرّقًا. وروي: أن الله تعالى يبعث ريحًا من تحت الجنة، فتحمل الأرض والجبال، وتضرب بعضها ببعض، ولا تزال كذلك حتى تصير غبارًا، ويسقط ذلك الغبار على وجوه الكفار. كقوله تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (٤٠)}. وقال بعضهم: إنّ هذه الغبرة هي التراب الذي أشار إليه تعالى: {لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا}. وسيجيء تحقيقه في محله. والكلام على الشبيه؛ أي: فصارت كالهباء المنبث الذي ذرته الريح، وفرقته.
وقرأ زيد بن علي (١): {رَجَّت} و {بسَّتْ} مبنيًا للفاعل. و {إذا رجَّت} بدل من {إِذَا وَقَعَتِ}، وجواب الشرط عندي ملفوظ به. وهو قوله:{فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}.
والمعنى: إذا كان كذا وكذا، فأصحاب الميمنة ما أسعدهم، وما أعظم ما يجازون به، أي: إن سعادتهم، وعظم رتبتهم عند الله تعالى تظهر في ذلك الوقت الشديد الصعب على العالم. وقرأ الجمهور {مُنْبَثًّا} بالثاء المثلثة. وقرأ مسروق، والنخعيُّ، وأبو حيوة {منبتًا} بالتاء المثناة من فوق؛ أي: منقطعًا من قولهم: بتَّه الله؛ أي: قطعه.
٧ - ثم ذكر سبحانه أحوال الناس، واختلافهم. فقال:{وَكُنْتُمْ} إمَّا خطاب للأمة الحاضرة، والأمم السالفة تغليبًا أو للحاضرة فقط {أَزْوَاجًا}؛ أي: أصنافًا {ثَلَاثَةً} اثنان في الجنة، وواحد في النار. وكل صنف يكون مع صنف آخر في الوجود، أو في الذكر يسمى زوجًا فردًا كان كالعينين والرجلين. فكل منهما يسمى زوجًا، وهما