قلتُ: أما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الدنيا سجن المؤمن" فهو بالنسبة إلى ما أعد الله له في الآخرة من الثواب الجزيل والنعيم المقيم، فإنه في سجن في الدنيا، حتى يفضي إلى ذلك المعد له، وأما كون الدنيا جنة الكافر فهو بالنسبة إلى ما أعد الله له في الآخرة من العذاب الأليم الدائم، الذي لا ينقطع، فهو في الدنيا في جنة حتى يفضي إلى ما أعد الله له في الآخرة. وأما ما يضيق على الرجل المؤمن في بعض الأوقات، فإنما ذلك لرفع الدرجات وتكفير السيئات وبيان الصبر عند المصيبات، فعلى هذا يكون المؤمن في جميع أحواله في عيشةٍ حسنة, لأنه راضٍ عن الله في جميع أحواله. ثم توعدهم سبحانه على مخالفة الأمر فقال:{وَإِنْ تَوَلَّوْا}؛ أي: وإن تتولوا وتعرضوا عن الإخلاص في العبادة والاستغفار والتوبة {فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} بموجب الشفقة {عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}؛ أي: شديد عذابه، وهو يوم القيامة، ووصفه بالكبر لما فيه من الأهوال. وقيل: اليوم الكبير يوم بدر.
والمعنى: وإن توليتم وأعرضتم عما دعوتكم إليه، من عبادة الله وحده، وعدم عبادة غيره فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير الهول شديد البأس، فيصيبكم مثل ما أصاب أقوام الرسل الذين عاندوهم، وأصروا على تكذيبهم وعصيانهم، أو قريب منه بعد الرسول والمؤمنين. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو مجلز وأبو رجاء {وَإِنْ تَوَلَّوْا} بضم التاء واللام وفتح الواو مضارع ولّى. والقراءة الأولى مضارع تولّى. وفي كتاب "اللوامح": وقرأ اليماني وعيسى البصري: {وإن تولوا} بثلاث ضمات مبنيًّا للمفعول. وقرأ الأعرج:{تولوا} بضم التاء واللام وسكون الواو مضارع أولى.
٤ - ثم بين سبحانه عذاب اليوم الكبير بقوله:{إِلَى اللَّهِ} سبحانه وتعالى لا إلى غيره {مَرْجِعُكُمْ}؛ أي: رجوعكم بالموت ثم البعث ثم الجزاء {وَهُوَ} سبحانه وتعالى {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} شاءه {قَدِيرٌ}، ومن جملة ذلك تعذيبكم على عدم الامتثال؛ أي (١): إليه تعالى رجوعكم بعد موتكم