للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قوله: {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة، ويثبت مكانها لواحق طاعاتهم، أو يبدّل ملكة المعصية ودواعيها في النفس بملكة الطاعة، بأن يزيل الأولى ويأتي بالثانية مكانها. وقيل: يبدّل بالشرك إيمانًا، وبقتل المؤمن قتل الكافر، وبالزنا عفة وإحصانا. اهـ. فعلى هذا يكون التبديل في الدنيا.

وفي "القرطبي" قال النحاس: من أحسن ما قيل في التبديل أنه يكتب موضع كافر مؤمن، وموضع عاص مطيع، قال الحسن: وقوم يقولون: التبديل في الآخرة. وليس كذلك، إنما التبديل في الدنيا، يبدلهم الله إيمانًا من الشرك، وإخلاصًا من الشك، وإحصانًا من الفجور. وقيل: التبديل عبارة عن الغفران؛ أي: يغفر الله لهم تلك السيئات، لا أنه يبدلها حسنات. قلت: ولا يبعد في كرم الله تعالى إذا صحّت توبة العبد أن يضع مكان كل سيئة حسنة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن"، اهـ. وقرأ (١) البرجمي {يُبْدِلُ} مخففًا.

{وَكَانَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى: {غَفُورًا} لمن تاب من الشرك والمعاصي، ولذلك بدل السيئات حسنات، {رَحِيمًا} له، ولذلك أثاب على الحسنات، وهذه الجملة مقرّرة لما قبلها من التبديل.

٧١ - {وَمَنْ تَابَ}؛ أي رجع عن المعاصي مطلقًا بتركها بالكلية والندم عليها {وَعَمِلَ صَالِحًا} بتدارك به ما فرّط منه، أو المعنى: ومن تاب؛ أي: خرج عن المعاصي، وعمل صالحًا؛ أي: دخل في الطاعات {فَإِنَّهُ} بما فعل {يَتُوبُ} ويرجع {إِلَى اللَّهِ} سبحانه وتعالى بعد الموت {مَتَابًا}؛ أي: رجوعًا حسنًا، عظيم الشأن، مرضيًا عنده تعالى، ماحيًا للعقاب، محصّلًا للثواب، فلا يتحد الشرط والجزاء؛ لأن في الجزاء معنى زائدًا على ما في الشرط، فإن الشرط هو التوبة بمعنى الرجوع عن المعاصي، والجزاء هو الرجوع إلى الله تعالى بعد


(١) النسفي.