للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{لنفتنهم} بضم النون، من أفتنه: إذا جعل الفتنة واقعةً فيه.

{وَرِزْقُ رَبِّكَ}؛ أي: ثواب الله وما ادخره لصالحي عباده في الآخرة {خَيْرٌ} مما رزقهم في الدنيا؛ لأنه مع كونه أجلَّ ما يتنافس فيه المتنافسون مأمون الغائلة، بخلاف ما منحوه {وَأَبْقَى}؛ أي: أدوم، فإنه لا يكاد ينقطع أبدًا وهذا ينقطع.

ومعنى الآية: أي (١) ولا تُطل النظر استحسانًا ورغبةً فيما مُتع به هؤلاء المترفون من النعيم، فإنما هو زهرة زائلة، ونعمة حائلة، نختبرهم بها، ونعلم هل يؤدون شكرها أو تكون وبالًا عليهم، ونكالًا لهم، وقد آتاك ربك خيرًا مما آتاهم، فرضاه خيرٌ وأبقى كما قال: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧)} وخلاصة هذا: التنفير من الانهماك في التمتع بزهرة الدنيا: لسوء عاقبتها.

١٣٢ - وبعد أن أمر الله سبحانه نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالتسبيح في تلك الأوقات المذكورة، ونهاه عن مد بصره إلى ما متع به الكفار، أمره تعالى بأن يأمر أهله بالصلاة، التي هي بعد الشهادة آكد أركان الإِسلام، وأمره بالاصطبار على مداومتها ومشاقها، وأن لا يشتغل عنها، وأخبره تعالى أن لا يسأله أن يرزق نفسه، وأن لا يسعى في تحصيل الرزق، ويدأب في ذلك، بل أمره بتفريغ باله لأمر الآخرة، ويدخل في خطابه - عليه السلام - أمته فقال: {وَأْمُرْ} أيها الرسول الكريم {أَهْلَكَ}؛ أي: أهل بيتك، أو أهل دينك {بِالصَّلَاةِ} المفروضة عليك وعليهم؛ أي: وأمرهم بالصلاة كما أمرناك بها بقولنا: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ...} الآية. فإن الفقير ينبغي أن يستعين بها على فقره، ولا يهتم بأمر المعيشة، ولا يلتفت إلى جانب أهل الثروة {وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}؛ أي: وداوم أنت وهم عليها، غير مشتغل بأمر المعاش، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذهب إلى فاطمة وعلي كل صباح ويقول: "الصلاة" كان يفعل ذلك أشهرًا.

قال ابن عطاء: أشد أنواع الصبر الاصطبار، وهو السكون تحت موارد


(١) المراغي.