للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حديثهم في أثناء الحوار أن ليست هذه البشرى هي المقصودة، بل لهم شأن آخر لأجله أرسلوا؛ لأنهم كانوا عددًا، والبشارة لا تحتاج إلى مثل هذا العدد، ومن ثم اكتفى بالواحد في بشارة زكريا ومريم - عليهما السلام -، وأيضًا لو كانت البشارة هي المقصودة لابتدؤوا بها،

٥٨ - فأجابوه بما بينه سبحانه وتعالى {قَالُوا}؛ أي: الملائكة لإبراهيم {إنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ} متناهين، وهم قوم لوط، واكتفوا بهذا القدر من الجواب؛ لأن إبراهيم يعلم أن الملائكة إذا أرسلوا إلى المجرمين كان ذلك لهلاكهم وإبادتهم،

٥٩ - ومما يرشد إلى هذا الفهم قولهم {إِلَّا آلَ لُوطٍ}؛ أي: إلا أتباع لوط في الدين {إنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} فلن نهلكهم، بل ننجيهم من العذاب الذي أمرنا أن نُعَذِّبَ به قوم لوط، وهو قلب مدائنهم، فالاستثناء (١) متصل من الضمير في {مُجْرِمِينَ}؛ أي: أرسلنا إلى قوم أجرموا جميعًا إلا آل لوط، يريد أهله المؤمنين، فالقوم والإرسال شاملان للمجرمين وغيرهم.

والمعنى: إنَّا أرسلنا إلى قوم أجرم كلهم إلا آل لوط، لنهلك الأولين وننجي الآخرين، واكتفى بنجاة (٢) الآل لأنهم إذا نجوا وهم تابعون فالمتبوع وهو لوط أولى بذلك. لوط: هو ابن هاران بن تارخ، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل، كان قد آمن به، وهاجر معه إلى الشام، بعد نجاته من النار، واختتن لوط مع إبراهيم وهو ابن ثلاث وخمسين، وإبراهيم ابن ثمانين أو مدّة وعشرين سنة، فنزل إبراهيم فلسطين، وهي البلاد التي بين الشام ومصر، منها الرملة وغزة وعسقلان وغيرها، ونزل لوط الأردن، وهي كورة بالشام، فأرسل الله لوطًا إلى أهل سدوم بالدال، وكانت تعمل الخبائث، فأرسل الله إليهم ملائكة للإهلاك، وقرأ الأخوان حمزة والكسائي {لَمُنَجُّوهُمْ} بالتخفيف من أنجا، وقرأ الباقون بالتشديد من نجى، واختار هذه القراءة الأخيرة أبو عبيدة وأبو حاتم، والتنجية والإنجاء التخلص مما وقع فيه غيرهم،

٦٠ - {إِلَّا امْرَأَتَهُ} استثناء من الضمير في {منجوهم}، وليس استثناء من استثناء، كما في "البحر" واسمها واهلة، {قَدَّرْنَا}؛ أي: قضينا


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.