الكفار في المعركة؛ سمي بذلك لكونه مشهودا له بالجنة، أو جمع شاهد لكونه كالمشاهد للجنة. وقوله:{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} جملةٌ معترضةٌ بين العلل المتعاطفات؛ لتقرير مضمون ما قبلها؛ أي: لبيان أنَّ الشهداء يكونون ممن أخلصوا في إيمانهم، وأعمالهم، ولم يظلموا أنفسهم بمخالفة أوامر الله ونواهيه، والخروج عن سننه في خلقه.
أي: يعاقب المشركين، وإنما يظفرهم في بعض الأحيان استدارجًا لهم وابتلاءً للمؤمنين. والمعنى: إن الله لا يصطفي للشهادة الظالمين ما داموا على ظلمهم. وفي ذلك بشارة للمتقين بمحبة الله لهم، وإنذارٌ للمقصرين بأنه لا يحبهم الله. وتعريضٌ لأعدائهم المشركين بأن الله لا يحبهم؛ لأنهم ظلموا أنفسهم، وسفهوها بعبادة المخلوقات، وظلموا سواهم بالفساد في الأرض؛ والبغي على الناس، وهضم حقوقهم. ومن المعلوم أن الظلم لا تدوم له سلطةٌ، ولا تثبت له دولة، بل تكون دولته سريعة الزوال، قريبة الانحلال. ثم عطف على قوله:{وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}
١٤١ - قوله:{وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}؛ أي: وليطهر الذين آمنوا من ذنوبهم، ويصفيهم منها بما يصيبهم في الجهاد إن كانت الغلبة للكافرين على المؤمنين.
أي: ونداول تلك الأيام ليميز المؤمنين الصادقين من المنافقين، ويطهر نفوس بعض ضعفاء المؤمنين من كدورتها، فتصير تبرًا خالصا لا كدورة فيه، فإن الإنسان كثيرًا ما يشتبه عليه أمر نفسه، ولا تتجلى له حقيقتها إلا بالتجربة الكثيرة، والامتحان بالشدائد العظيمة، فهي التي تمحصها، وتنفي خبثها، وزغلها، كما أن تمحيص الذهب يميز بهرجه من خالصه.
فالمعتقد في دين أنه الحق قد يخيل إليه وقت الرخاء، أنه يسهل عليه بذل ماله، ونفسه في سبيل الله؛ ليرفع راية ذلك الدين، ويدفع عنه كيد المعتدين، فإذا جاء البأس ظهر له من نفسه غير ما كان يتصور له أولًا، أنظروا إلى الذين خالفوا أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، وطمعوا في الغنيمة، وإلى الذين انهزموا وولوا الأدبار كيف محصهم الله تعالى بتلك الشدائد.