للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كالإتفاق، وعدم التنازع، والثبات، وصحة النظر، وقوة العزيمة، وأخذ الأهبة، وإعداد ما يستطاع من القوة.

فعليكم أيها المؤمنون: أن تقوموا بهذه الأعمال، والأسباب وتحكموها أتم الأحكام حتى تظفروا، وتفوزوا، ولا يكن ما أصابكم من الفشل مضعفًا لعزائمكم؛ فإن الدنيا دولٌ كما قال:

فَيَوْمٌ لَنَا وَيَوْمٌ عَلَيْنَا ... وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيوْمٌ نُسَرُّ

ومن أمثال العرب: الحرب سجالٌ. وقرىء (١) شاذًا {يُدَاوِلُهَا} بالياء، وهو جار على الغيبة قبله وبعده، وقراءة النون فيها التفاتٌ وإخبارٌ بنون العظمة المناسبة لمداولة الأيام.

وقوله: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} معطوف على محذوف تقديره وتلك الأيام نداولها بين الناس ليقوم بذلك العدل، ويستقر النظام، ويعلم الناظر في السنن العامة، والباحث في الحكم الإلهية، أنه لا محاباة في هذه المداولة {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ}؛ أي: وليرى الله صبر الذين آمنوا منكم على مناجزة الجهاد وملاقاة الأعداء. قال ابن كثير (٢): قال ابن عباس في مثل هذا: لنرى من يصبر على مناجزة الأعداء. انتهى أو المعنى: وليميِّز الله الذين أخلصوا في إيمانهم من المنافقين إذا أصابتهم المشقة كما وقع في أحد. وقال الشوكانيُّ (٣): فعلنا فعل من يريد أن يعلم؛ لأنه سبحانه لم يزل عالمًا، أو ليعلم الذين آمنوا بصبرهم علمًا يقع عليه الجزاء والثواب، كما علمه علمًا أزليًّا انتهى. وإنما فسرنا كذلك, لأنَّ الله سبحانه وتعالى علمهم أزلًا فلم يزل عالمًا بهم. {وَيَتَّخِذَ}؛ أي: وليكرم بعضكم باتخاذهم شهداء في سبيل الله، وهم شهداء أحد، وذلك أن قومًا من المسلمين فاتهم يوم بدر، وكانوا يتمنون لقاء العدو، ويلتمسون فيه الشهادة. والشهداء جمع شهيد، وهو من قتل من المسلمين بسيف


(١) البحر المحيط.
(٢) ابن كثير.
(٣) فتح القدير.