للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ}؛ أي: أيام الغلبة والظفر والنصر {نُدَاوِلُهَا} ونناقلها، ونحاولها، ونناوبها، ونصرفها من قديم الزمان إلى آخره {بَيْنَ النَّاسِ} على وفق ما أردناه أزلًا تارةً لهؤلاء، وتارةً لهؤلاء، فلا تبقى الناس على حالة واحدةٍ، ولا يدوم (١) مسارها ومضارها فيومٌ يحصل فيه السرور للمؤمنين، والغم للأعداء، ويومٌ آخر بالعكس، ولكن العاقبة للمؤمنين، وليس المراد من هذه المداولة أنَّ الله تعالى تارةً ينصر المؤمنين، والأخرى ينصر الكافرين. وذلك؛ لأن نصرة الله منصبٌ شريفٌ، فلا يليق بالكافر بل المراد من هذه المداولة أنه تارةً يشدد المحنة على الكفار، وأخرى على المؤمنين، ولو شدَّد المحنة على الكفار في جميع الأوقات .. لحصل العلم الضروري بأن الإيمان حقٌّ، وما سواه باطلٌ، ولو كان كذلك .. لبطل التكليف والثواب، وأيضًا إن المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي؛ فيشدد الله المحنة عليه في الدنيا تأديبًا له. وأمَّا تشديد المحنة على الكافر، فإنه غضبٌ من الله عليه، وأيضًا: إن لذات الدنيا وآلامها غير باقية، وإنما السعادات المستمرة في دار الآخرة.

ورُوي أنَّ أبا سفيان صعد الجبل يوم أحد فمكث ساعةٌ، ثم قال: أين ابن أبي كبشة؟ يعني محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وأبو كبشة زوج حليمة السعدية، وهو أبوه من الرضاع أين ابن أبي قحافة؟ يريد أبا بكر أين ابن الخطاب؛ فقال عمر: هذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا أبو بكر وها أنا ذا عمر فقال أبو سفيان: يومٌ بيوم، والأيام دولٌ، والحرب سجالٌ، فقال عمر: لا سواء قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار، فقال: إن كان الأمر كما تزعمون .. فقد خبنا إذًا وخسرنا.

والخلاصة (٢): أن مداولة الأيام، وأوقات الغلبة، والنصر بين الناس سنةٌ من سنن الله تعالى في المجتمع البشري، فمرةً تكون الدولة، والغلبة للمبطل، وأخرى للمحق، ولكن العاقبة دائمًا لمن اتبع الحق.

وإنما تكون الدولة لمن عرف أسباب النجاح، ورعاها حق رعايتها،


(١) مراح.
(٢) المراغي.